في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{يَٰمُوسَىٰٓ إِنَّهُۥٓ أَنَا ٱللَّهُ ٱلۡعَزِيزُ ٱلۡحَكِيمُ} (9)

ومضى موسى - عليه السلام - إلى النار التي آنسها ، ينشد خبرا ، فإذا هو يتلقى النداء الأسمى :

( فلما جاءها نودي أن بورك من في النار ومن حولها . وسبحان الله رب العالمين . يا موسى إنه أنا الله العزيز الحكيم ) . .

إنه النداء الذي يتجاوب به الكون كله ، وتتصل به العوالم والأفلاك ؛ ويخشع له الوجود كله وترتعش له الضمائر والأرواح . النداء الذي تتصل فيه السماء بالأرض ، وتتلقى الذرة الصغيرة دعوة خالقها الكبير ، ويرتفع فيه الإنسان الفاني الضعيف إلى مقام المناجاة بفضل من الله .

( فلما جاءها نودي ) . . بهذا البناء للمجهول - وهو معلوم - ولكنه التوقير والإجلال والتعظيم للمنادي العظيم .

( نودي أن بورك من في النار ومن حولها ) . .

فمن ذا كان في النار ? ومن ذا كان حولها ? إنها على الأرجح لم تكن نارا من هذه النار التي نوقدها . إنما كانت نارا مصدرها الملأ الأعلى . نارا أوقدتها الأرواح الطاهرة من ملائكة الله للهداية الكبرى . وتراءت كالنار وهذه الأرواح الطاهرة فيها . ومن ثم كان النداء : ( أن بورك من في النار )إيذانا بفيض من البركة العلوية على من في النار من الملائكة ومن حولها . . وفيمن حولها موسى . . وسجل الوجود كله هذه المنحة العليا . ومضت هذه البقعة في سجل الوجود مباركة مقدسة بتجلي ذي الجلال عليها ، وإذنه لها بالبركة الكبرى .

وسجل الوجود كله بقية النداء والنجاء : ( وسبحان الله رب العالمين . يا موسى إنه أنا الله العزيز الحكيم ) . .

نزه الله ذاته وأعلن ربوبيته للعالمين ، وكشف لعبده أن الذي يناديه هو الله العزيز الحكيم . وارتفعت البشرية كلها في شخض موسى - عليه السلام - إلى ذلك الأفق الوضيء الكريم . ووجد موسى الخبر عند النار التي آنسها ، ولكنه كان الخبر الهائل العظيم ؛ ووجد القبس الدافىء ، ولكنه كان القبس الذي يهدي إلى الصراط المستقيم .

وكان النداء للاصطفاء ؛ ووراء الاصطفاء التكليف بحمل الرسالة إلى أكبر الطغاة في الأرض فى ذلك الحين . ومن ثم جعل ربه يعده ويجهزه ويقويه :

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{يَٰمُوسَىٰٓ إِنَّهُۥٓ أَنَا ٱللَّهُ ٱلۡعَزِيزُ ٱلۡحَكِيمُ} (9)

وقوله : { يَا مُوسَى إِنَّهُ أَنَا اللَّهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ } أعلمه{[21969]} أن الذي يخاطبه ويناجيه هو ربه الله العزيز ، الذي عز كل شيء وقهره وغلبه ، الحكيم في أفعاله وأقواله .


[21969]:- في ف : "اعلم".
 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{يَٰمُوسَىٰٓ إِنَّهُۥٓ أَنَا ٱللَّهُ ٱلۡعَزِيزُ ٱلۡحَكِيمُ} (9)

وباقي الآية إعلام بأنه الله تعالى والضمير في { أنه } للأمر والشأن . قال الطبري : ويسميها أهل الكوفة المجهولة .

وأنسه بصفاته من العزة ، أي لا خوف معي ، والحكمة ، أي لا نقص في أفعالي .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{يَٰمُوسَىٰٓ إِنَّهُۥٓ أَنَا ٱللَّهُ ٱلۡعَزِيزُ ٱلۡحَكِيمُ} (9)

ضمير { إنه } ضمير الشأن ، وجملة : { أنا الله العزيز الحكيم } خبر عن ضمير الشأن . والمعنى : إعلامه بأن أمراً مهماً يجب علمه وهو أن الله عزيز حكيم ، أي لا يغلبه شيء ، لا يستصعب عليه تكوين .

وتقديم هذا بين يدي ما سيلقى إليه من الأمر لإحداث رِبَاطَة جأْش لموسى ليعلم أنه خلعت عليه النبوءة إذ ألقي إليه الوحي ، ويعلم أنه سيتعرض إلى أذى وتألب عليه ، وذلك كناية عن كونه سيصير رسولاً ، وأن الله يؤيده وينصره على كل قوي ، وليعلمَ أن ما شاهد من النار وما تلقّاه من الوحي وما سيشاهده من قلب العصا حية ليس بعجيب في جانب حكمة الله تعالى ، فتلك ثلاث كنايات ، فلذلك أتبع هذا بقوله : { وألق عصاك } . والمعنى : وقلنا ألق عصاك .

والاهتزاز : الاضطراب ، وهو افتعال من الهَزّ وهو الرفع كأنها تطاوع فعل هازَ يهزُّها . والجانّ : ذَكَر الحيات ، وهو شديد الاهتزاز وجمعه جِنّان ( وأما الجانّ بمعنى واحد الجن فاسم جمعه جنّ ) . والتشبيه في سرعة الاضطراب لأن الحيات خفيفة التحرك ، وأما تشبيه العصا بالثعبان في آية { فإذا هي ثعبان مبين } [ الأعراف : 107 ] فذلك لضخامة الجرم .

والتولي : الرجوع عن السير في طريقه . وفعل ( تولى ) مرادف فعل { ولّى } كما هو ظاهر صنيع « القاموس » وإن كان مقتضى ما في فعل ( تولى ) من زيادة المبنى أن يفيد ( تولى ) زيادة في معنى الفعل . وقد قال تعالى : { ثم تولى إلى الظل } في سورة القصص ( 24 ) .

 
الجامع التاريخي لبيان القرآن الكريم - مركز مبدع [إخفاء]  
{يَٰمُوسَىٰٓ إِنَّهُۥٓ أَنَا ٱللَّهُ ٱلۡعَزِيزُ ٱلۡحَكِيمُ} (9)

جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :

يقول تعالى ذكره مخبرا عن قيله لموسى:"إنّهُ أنا اللّهُ العَزِيزُ" في نقمته من أعدائه "الحَكِيمُ "في تدبيره في خلقه.

تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :

أي الذي أعطاك ذلك {الله العزيز الحكيم} أو يقول: إن الذي جعل لك ذلك {الله العزيز الحكيم}... العزيز: الذي لا يعجزه شيء، الحكيم: المصيب في فعله، غير المخطئ، أو يقول: العزيز الذي لا يذل أبدا قط لأنه عزيز بذاته، الحكيم الذي يضع كل شيء موضعه، لا يخطئ.

الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :

{إِنَّهُ}... والشأن {أَنَا الله}... يعني: أنّ مكلمك أنا، والله بيان لأنا. والعزيز الحكيم: صفتان للمبين، وهذا تمهيد لما أراد أن يظهره على يده من المعجزة، يريد: أنا القويّ القادر على ما يبعد من الأوهام كقلب العصا حية، الفاعل كل ما أفعله بحكمة وتدبير.

تفسير القرآن العظيم لابن كثير 774 هـ :

أعلمه أن الذي يخاطبه ويناجيه هو ربه الله العزيز، الذي عز كل شيء وقهره وغلبه، الحكيم في أفعاله وأقواله.

نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :

ولما تشوفت النفس إلى تحقق الأمر تصريحاً، قال معظماً له تمهيداً لما أراد سبحانه إظهاره على يده من المعجزات الباهرات: {يا موسى إنه} أي الشأن العظيم الجليل الذي لا يبلغ وصفه {أنا الله} أي البالغ من العظمة ما تقصر عنه الأوهام، وتتضاءل دونه نوافذ الأفهام، ثم أفهمه مما تضمن ذلك وصفين يدلانه على أفعاله معه فقال: {العزيز} أي الذي يصل إلى جميع ما يريد ولا يوصل إلى شيء مما عنده من غير الطريق التي يريد.

{الحكيم} أي الذي ينقض كل ما يفعله غيره إذا أراد، ولا يقدر غيره أن ينقض شيئاً من فعله.

التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :

...والمعنى: إعلامه بأن أمراً مهماً يجب علمه وهو أن الله عزيز حكيم، أي لا يغلبه شيء، لا يستصعب عليه تكوين.

وتقديم هذا بين يدي ما سيلقى إليه من الأمر لإحداث رِبَاطَة جأْش لموسى ليعلم أنه خلعت عليه النبوءة إذ ألقي إليه الوحي، ويعلم أنه سيتعرض إلى أذى وتألب عليه، وذلك كناية عن كونه سيصير رسولاً، وأن الله يؤيده وينصره على كل قوي، وليعلمَ أن ما شاهد من النار وما تلقّاه من الوحي وما سيشاهده من قلب العصا حية ليس بعجيب في جانب حكمة الله تعالى، فتلك ثلاث كنايات، فلذلك أتبع هذا بقوله: {وألق عصاك}.

زهرة التفاسير - محمد أبو زهرة 1394 هـ :

النداء المتكرر من الله تعالى لكليمه موسى عليه السلام ليؤنسه بذاته العلية، وليشعر بنصرته له أمام من سيرسل إليه، وهو فرعون طاغية الأرض في عصره... {أنا الله} تدل على قصر الألوهية على ذاته، العلية، وذلك بتعريف الطرفين، فليس فرعون الذي تذهب إليه إلها أو شبه إله، كما يدعي لنفسه بين المصريين...

تفسير الشعراوي 1419 هـ :

ثم يخاطب الحق سبحانه موسى: {يا موسى إنه أنا الله العزيز الحكيم} جاء هنا النداء على حقيقته بأداة ومنادى {إنه أنا الله} هذا هو الأصل، وما دمت أنا الله فلا تتعجب مما ترى، وساعة تسمع من يكلمك دون أن ترى متكلما من جنسك، فلا تتعجب ولا تندهش.

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل - لجنة تأليف بإشراف الشيرازي 2009 هـ :

ومرّة أُخرى نودي موسى بالقول: (يا موسى إنّه أنا الله العزيز الحكيم). وبذلك يزول عن موسى (عليه السلام) كل شك وتردّد، وليعلم أنّ الّذي يكلمه هو ربّ العالمين، لا شعلة النّار ولا الشجرة، الربّ القوي العزيز الذي لا يغلب ولا يُقهر، والحكيم ذو التدبير في جميع الأُمور!. وهذا التعبير في الحقيقة مقدّمة لبيان المعجزة التي سيأتي بيانها في الآية التالية لأنّ الإعجاز آت من هاتين الصفتين «قدرة الله» و«حكمته»، ولكن قبل أن نصل إلى الآية التالية.. ينقدح هذا السؤال وهو: من أين تيقن موسى (عليه السلام) أنّ هذا النداء هو نداء الله وليس سواه؟! يمكن أن يجاب على هذا السؤال بأنّ هذا النداء أو الصوت المقرون بمعجزة جليّة... دليل حي على أنّ هذا أمر إلهي!. ثمّ إنّه كما سنرى في الآية التالية بعد هذا النداء أمر موسى (عليه السلام) بإلقاء العصا وإظهار اليد البيضاء، على نحو الإعجاز، وهما شاهدان صادقان آخران على هذه الحقيقة. ثمّ بعد هذا كله (فعلى القاعدة) فإن نداء الله له خصوصية تميزه عن كلّ نداء آخر، وحين يسمعه الإنسان يؤثر في روحه وقلبه تأثيراً لا يخالطه الشك أو التردد بأنّ هذا النداء هو نداء الله سبحانه.