في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{وَهَدَيۡنَٰهُ ٱلنَّجۡدَيۡنِ} (10)

ثم أودع نفسه خصائص القدرة على إدراك الخير والشر ، والهدى والضلال ، والحق والباطل : ( وهديناه النجدين )

. . ليختار أيهما شاء ، ففي طبيعته هذا الاستعداد المزدوج لسلوك أي النجدين . والنجد الطريق المرتفع . وقد اقتضت مشيئة الله أن تمنحه القدرة على سلوك أيهما شاء ، وأن تخلقه بهذا الازدواج طبقا لحكمة الله في الخلق ، وإعطاء كل شيء خلقه ، وتيسيره لوظيفته في هذا الوجود .

وهذه الآية تكشف عن حقيقة الطبيعة الإنسانية ؛ كما أنها تمثل قاعدة " النظرية النفسية الإسلامية " هي والآيات الأخرى في سورة الشمس : ( ونفس وما سواها ، فألهمها فجورها وتقواها . قد أفلح من زكاها وقد خاب من دساها )[ وسنرجئ عرضها بشيء من التفصيل إلى الموضع الآخر في سورة الشمس لأنه أوسع مجالا ] .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{وَهَدَيۡنَٰهُ ٱلنَّجۡدَيۡنِ} (10)

{ وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ } قال سفيان الثوري ، عن عاصم ، عن زرّ ، عن عبد الله - هو ابن مسعود - : { وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ } قال : الخير والشر . وكذا رُوي عن علي ، وابن عباس ، ومجاهد ، وعكرمة ، وأبي وائل ، وأبي صالح ، ومحمد بن كعب ، والضحاك ، وعطاء الخراساني في آخرين .

وقال عبد الله بن وهب : أخبرني بن لَهِيعة ، عن يزيد بن أبي حبيب ، عن سِنان بن سعد ، عن أنس بن مالك قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " هما نجدان ، فما جعل نجد الشر أحب إليكم من نجد الخير " {[30086]} .

تفرد به سنان بن سعد - ويقال : سعد بن سنان - وقد وثقه ابن معين . وقال الإمام أحمد والنسائي والجوزجاني : منكر الحديث . وقال أحمد : تركت حديثه لاضطرابه . وروى خمسة عشر حديثا منكرة كلها ، ما أعرف منها حديثا واحدا . يشبه حديثه حديثَ الحسن - يعني البصري - لا يشبه حديثَ أنس .

وقال ابن جرير : حدثني يعقوب ، حدثنا ابن عُلَيَّة ، عن أبي رجاء قال : سمعت الحسن يقول : { وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ } قال : ذكر لنا أن نبي الله صلى الله عليه وسلم كان يقول : " يا أيها الناس ، إنهما النجدان ، نجد الخير ونجد الشر ، فما جعل نجد الشر أحب إليكم من نجد الخير " {[30087]} .

وكذا رواه حبيب بن الشهيد ، ويونس بن عبيد ، وأبو وهب ، عن الحسن مرسلا . وهكذا أرسله قتادة .

وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أحمد بن عصام الأنصاري ، حدثنا أبو أحمد الزبيري ، حدثنا عيسى ابن عقال{[30088]} عن أبيه ، عن ابن عباس في قوله : { وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ } قال : الثديين .

وروي عن الربيع بن خُثَيم{[30089]} وقتادة وأبي{[30090]} حازم ، مثل ذلك . ورواه ابن جرير عن أبي كُرَيْب ، عن وَكِيع ، عن عيسى بن عقَال ، به . ثم قال : والصواب القول الأول .

ونظير هذه الآية قوله : { إِنَّا خَلَقْنَا الإنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعًا بَصِيرًا إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا } [ سورة الإنسان : 2 ، 3 ] .


[30086]:- (5) ورواه ابن عدي في الكامل (3/356) من طريق ابن وهب.
[30087]:- (1) تفسير الطبري (30/128).
[30088]:- (2) في أ: "عفان".
[30089]:- (3) في أ: "خيثم".
[30090]:- (4) في م: "وابن".
 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{وَهَدَيۡنَٰهُ ٱلنَّجۡدَيۡنِ} (10)

واختلف الناس في " النجدين " فقال ابن مسعود وابن عباس والناس : طريق الخير وطريق الشر أي عرضنا عليه طريقهما وليست الهداية هنا بمعنى الإرشاد وقال ابن عباس أيضا والضحاك ( النجدان ) ثديا الأم ، وهذا مثال ، والنجد : الطريق المرتفع وأنشد الأصمعي :

كميش الإزار خارج نصف ساقه *** صبور على الأزراء طلاع أنجد{[11832]}


[11832]:رجل كميش الإزار: مشمره، والأرزاء: المصائب، واحدها: رزء، وطلاع : أنجد: ضابط للأمور غالب لها، والأنجد جمع نجد، وهو الطريق في الجبل إذا كان مرتفعا شديدا، والشاعر يصف الممدوح هنا بأنه سريع إلى الأمور، حاسم في مقابلتها بهمة ونشاط، وبأنه صبور على مصائب الدهر، وبأنه غالب للأمور متطلع للسامي منها.