في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{وَمِنَ ٱلشَّيَٰطِينِ مَن يَغُوصُونَ لَهُۥ وَيَعۡمَلُونَ عَمَلٗا دُونَ ذَٰلِكَۖ وَكُنَّا لَهُمۡ حَٰفِظِينَ} (82)

48

وكذلك تسخير الجن لسليمان - عليه السلام - ليغوصوا في أعماق البحر أو أعماق اليابسة . ويستخرجوا كنوزها المخبوءة لسليمان ؛ أو ليعملوا له أعمالا غير هذا وذاك . . فالجن كل ما خفي . وقد قررت النصوص القرآنية أن هناك خلقا يسمون الجن خافين علينا ، فمن هؤلاء سخر الله لسليمان من يغوصون له ويعملون عملا دون ذلك . وحفظهم فلا يهربون ولا يفسدون ولا يخرجون على طاعة عبده . وهو القاهر فوق عباده يسخرهم حين يشاء كيف يشاء .

وعند هذا الحد المأمون نقف في ظلال النصوص . فلا نسبح في الإسرائيليات .

لقد ابتلى الله داود وسليمان - عليهما السلام - بالسراء . وفتنتهما في هذه النعمة . فتن داود في القضاء . وفتن سليمان بالخيل الصافنات - كما سيأتي في سورة ص - فلا نتعرض هنا لتفصيلات الفتنة حتى يأتي ذكرها في موضعها . إنما نخلص إلى نتائجها . . لقد صبر داود ، وصبر سليمان للابتلاء بالنعمة - بعد الاستغفار من الفتنة - واجتازوا الامتحان في النهاية بسلام ؛ فكانا شاكرين لنعمة الله .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{وَمِنَ ٱلشَّيَٰطِينِ مَن يَغُوصُونَ لَهُۥ وَيَعۡمَلُونَ عَمَلٗا دُونَ ذَٰلِكَۖ وَكُنَّا لَهُمۡ حَٰفِظِينَ} (82)

وقوله : { وَمِنَ الشَّيَاطِينِ مَنْ يَغُوصُونَ لَهُ } أي : في الماء يستخرجون اللآلئ [ وغير ذلك . { وَيَعْمَلُونَ عَمَلا دُونَ ذَلِكَ } أي : غير ذلك ، كما قال تعالى : { وَالشَّيَاطِينَ كُلَّ بَنَّاءٍ وَغَوَّاصٍ * ] {[19745]} وَآخَرِينَ مُقَرَّنِينَ فِي الأصْفَادِ } . [ ص : 37 ، 38 ] .

وقوله : { وَكُنَّا لَهُمْ حَافِظِينَ } {[19746]} أي : يحرسه الله أن يناله أحد من الشياطين بسوء ، بل كل في قبضته وتحت قهره لا يتجاسر أحد منهم على الدنو إليه والقرب منه ، بل هو مُحَكَّم{[19747]} فيهم ، إن شاء أطلق ، وإن شاء حبس منهم من يشاء ؛ ولهذا قال : { وَآخَرِينَ مُقَرَّنِينَ فِي الأصْفَادِ }


[19745]:- زيادة من ف ، أ.
[19746]:- في ف : "له".
[19747]:- في ف ، أ : "يحكم".
 
الجامع التاريخي لبيان القرآن الكريم - مركز مبدع [إخفاء]  
{وَمِنَ ٱلشَّيَٰطِينِ مَن يَغُوصُونَ لَهُۥ وَيَعۡمَلُونَ عَمَلٗا دُونَ ذَٰلِكَۖ وَكُنَّا لَهُمۡ حَٰفِظِينَ} (82)

تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :

{ومن الشياطين من يغوصون له} لسليمان في البحر...

{ويعملون} له {عملا دون ذلك} يعني: غير الغياصة من تماثيل ومحاريب وجفان كالجواب وقدور راسيات.

{وكنا لهم} يعني: الشياطين {حافظين} على سليمان لئلا يتفرقوا عنه.

جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :

يقول تعالى ذكره: وسخرنا أيضا لسليمان من الشياطين من يغوصون له في البحر، ويعملون عملاً دون ذلك من البنيان والتماثيل والمحاريب.

"وكُنّا لَهُمْ حافِظِينَ" يقول: وكنا لأعمالهم ولأعدادهم حافظين، لا يؤودنا حفظ ذلك كله.

الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :

... والله حافظهم أن يزيغوا عن أمره، أو يبدلوا أو يغيروا، أو يوجد منهم فساد في الجملة فيما هم مسخرون فيه.

المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية 542 هـ :

{وكنا لهم حافظين}... معناه عادّين وحاصرين أي لا يشذ عن علمنا وتسخيرنا أحد منهم.

تفسير القرآن العظيم لابن كثير 774 هـ :

{وَكُنَّا لَهُمْ حَافِظِينَ} أي: يحرسه الله أن يناله أحد من الشياطين بسوء، بل كل في قبضته وتحت قهره لا يتجاسر أحد منهم على الدنو إليه والقرب منه، بل هو مُحَكَّم فيهم، إن شاء أطلق، وإن شاء حبس منهم من يشاء؛ ولهذا قال: {وَآخَرِينَ مُقَرَّنِينَ فِي الأصْفَادِ}.

نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :

ولما ذكر تسخير الريح له، ذكر أنه سخر له ما أغلب عناصره النار والريح للعمل في الماء، مقابلة لارتفاع الحمل في الهواء باستفال الغوص في الماء، فقال: {ومن} أي وسخرنا له من {الشياطين} الذين هم أكثر شيء تمرداً وعتواً، وألطف شيء أجساماً...

{ويعملون عملاً} أي عظيماً جداً. ولما كان إقدارهم على الغوص أعلى ما يكون في أمرهم، وكان المراد استغراق إقدارهم على ما هو أدنى من ذلك مما يريده منهم، نزع الجار فقال: {دون ذلك} أي تحت هذا الأمر العظيم أو غيره.

في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :

وكذلك تسخير الجن لسليمان -عليه السلام- ليغوصوا في أعماق البحر أو أعماق اليابسة. ويستخرجوا كنوزها المخبوءة لسليمان؛ أو ليعملوا له أعمالا غير هذا وذاك.. فالجن كل ما خفي. وقد قررت النصوص القرآنية أن هناك خلقا يسمون الجن خافين علينا، فمن هؤلاء سخر الله لسليمان من يغوصون له ويعملون عملا دون ذلك. وحفظهم فلا يهربون ولا يفسدون ولا يخرجون على طاعة عبده. وهو القاهر فوق عباده يسخرهم حين يشاء كيف يشاء.

وعند هذا الحد المأمون نقف في ظلال النصوص. فلا نسبح في الإسرائيليات.

لقد ابتلى الله داود وسليمان -عليهما السلام- بالسراء. وفتنتهما في هذه النعمة. فتن داود في القضاء. وفتن سليمان بالخيل الصافنات -كما سيأتي في سورة ص- فلا نتعرض هنا لتفصيلات الفتنة حتى يأتي ذكرها في موضعها. إنما نخلص إلى نتائجها.. لقد صبر داود، وصبر سليمان للابتلاء بالنعمة -بعد الاستغفار من الفتنة- واجتازوا الامتحان في النهاية بسلام؛ فكانا شاكرين لنعمة الله.

التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :

ومعنى {وكنا لهم حافظين} أن الله بقدرته سخرهم لسليمان ومنعهم عن أن ينفلتوا عنه أو أن يعصوه، وجعلهم يعملون في خفاء ولا يؤذوا أحداً من الناس؛ فجمع الله بحكمته بين تسخيرهم لسليمان وعلمه كيف يَحكمهم ويستخدمهم ويطوعهم، وجعلهم منقادين له وقائمين بخدمته دون عناء له، وحال دونَهم ودونَ الناس لئلا يؤذوهم. ولما توفّي سليمان لم يسخر الله الجنّ لغيره استجابة لدعوته إذ قال: {وهب لي ملكاً لا ينبغي لأحد من بعدي} [ص: 35]. ولما مكّن الله النبي محمداً صلى الله عليه وسلم من الجنيّ الذي كاد أن يفسد عليه صلاته وهَمَّ بأن يربطه، ذَكَر دعوة سليمان فأطلقه فجمع الله له بين التمكين من الجنّ وبين تحقيق رغبة سليمان.

وقوله {لهم} يتعلق ب {حافظين} واللام لام التقوية. والتقدير: حافظينهم، أي مانِعينهم عن الناس.