في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{وَصَدَّهَا مَا كَانَت تَّعۡبُدُ مِن دُونِ ٱللَّهِۖ إِنَّهَا كَانَتۡ مِن قَوۡمٖ كَٰفِرِينَ} (43)

15

ثم يتدخل السياق القرآني لبيان ما كان قد منعها قبل ذلك من الإيمان بالله وصدها عن الإسلام عندما جاءها كتاب سليمان ؛ فقد نشأت في قوم كافرين ، فصدها عن عبادة الله عبادتها من دونه من خلقه ، وهي الشمس كما جاء في أول القصة :

( وصدها ما كانت تعبد من دون الله . إنها كانت من قوم كافرين ) . .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{وَصَدَّهَا مَا كَانَت تَّعۡبُدُ مِن دُونِ ٱللَّهِۖ إِنَّهَا كَانَتۡ مِن قَوۡمٖ كَٰفِرِينَ} (43)

وقوله : { وَصَدَّهَا مَا كَانَتْ تَعْبُدُ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنَّهَا كَانَتْ مِنْ قَوْمٍ كَافِرِينَ } : هذا من تمام كلام سليمان ، عليه السلام - في قول مجاهد ، وسعيد بن جبير ، رحمهما الله - أي : قال سليمان : { وَأُوتِينَا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهَا وَكُنَّا مُسْلِمِينَ } ، وهي كانت قد صدها ، أي : منعها من عبادة الله وحده . { مَا{[22053]} كَانَتْ تَعْبُدُ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنَّهَا كَانَتْ مِنْ قَوْمٍ كَافِرِينَ } . وهذا الذي قاله مجاهد وسعيد حَسَنٌ{[22054]} ، وقاله ابن جرير أيضا .

ثم قال ابن جرير : ويحتمل أن يكون في قوله : { وَصَدَّهَا } ضمير يعود إلى سليمان ، أو إلى الله ، عز وجل ، تقديره : ومنعها { مَا كَانَتْ تَعْبُدُ مِنْ دُونِ اللَّهِ } أي : صدَّها عن عبادة غير الله { إِنَّهَا كَانَتْ مِنْ قَوْمٍ كَافِرِينَ } .

قلت : ويؤيد قول مجاهد : أنها إنما أظهرت الإسلام بعد دخولها إلى الصرح ، كما سيأتي .


[22053]:- في ف : "بل" وهو خطأ.
[22054]:- في أ : "سعيد بن جبير أيضا".
 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{وَصَدَّهَا مَا كَانَت تَّعۡبُدُ مِن دُونِ ٱللَّهِۖ إِنَّهَا كَانَتۡ مِن قَوۡمٖ كَٰفِرِينَ} (43)

القول في تأويل قوله تعالى : { وَصَدّهَا مَا كَانَت تّعْبُدُ مِن دُونِ اللّهِ إِنّهَا كَانَتْ مِن قَوْمٍ كَافِرِينَ } .

يقول تعالى ذكره : ومنع هذه المرأة صاحبة سبأ ما كَانَتْ تَعْبُدُ مِنْ دُونِ الله ، وذلك عبادتها الشمس أن تعبد الله .

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :

حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى وحدثني الحارث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء جميعا ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد وَصَدّها ما كانَتْ تَعْبُدُ مِنْ دُونِ اللّهِ قال : كفرها بقضاء الله غير الوثن ( صدّها ) أن تهتدي للحق .

حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جُرَيج ، عن مجاهد وَصَدّها ما كانَتْ تَعْبُدُ مِنْ دونِ اللّهِ قال : كفرها بقضاء الله ، صدها أن تهتدي للحق .

ولو قيل : معنى ذلك : وصدّها سليمان ما كانت تعبد من دون الله ، بمعنى : منعها وحال بينها وبينه ، كان وجها حسنا . ولو قيل أيضا : وصدّها الله ذلك بتوفيقها للإسلام ، كان أيضا وجها صحيحا .

وقوله : إنّها كانَتْ مِنْ قَوْمٍ كافِرِينَ يقول : إن هذه المرأة كانت كافرة من قوم كافرين . وكسرت الألف من قوله «إنها » على الابتداء . ومن تأول قوله : وَصَدّها ما كانَتْ تَعْبُدُ مِنْ دُونِ اللّهِ التأويل الذي تأولنا ، كانت «ما » من قوله ما كانَتْ تَعْبُدُ في موضع رفع بالصد ، لأن المعنى فيه لم يصدها عن عبادة الله جهلها ، وأنها لا تعقل ، إنما صدها عن عبادة الله عبادتها الشمس والقمر ، وكان ذلك من دين قومها وآبائها ، فاتبعت فيه آثارهم . ومن تأوله على الوجهين الاَخرين كانت «ما » في موضع نصب .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{وَصَدَّهَا مَا كَانَت تَّعۡبُدُ مِن دُونِ ٱللَّهِۖ إِنَّهَا كَانَتۡ مِن قَوۡمٖ كَٰفِرِينَ} (43)

وصدّها هي عن الإسلام ما كانت تعبد من دون الله ، أي صدّها معبودها من دون الله ، ومتعلق الصد محذوف لدلالة الكلام عليه في قوله : { وكنا مسلمين } . وما كانت تعبده هو الشمس . وإسناد الصدّ إلى المعبود مجاز عقلي لأنه سبب صدها عن التوحيد كقوله تعالى : { وما زادُوهم غير تتبيب } [ هود : 101 ] وقوله : { غَرَّ هؤلاء دينُهم } [ الأنفال : 49 ] .

وفي ذكر فعل الكون مرتين في { ما كانت تعبد } . و { إنها كانت من قوم كافرين } دلالة على تمكنها من عبادة الشمس وكان ذلك التمكن بسبب الانحدار من سلالة المشركين ، فالشرك منطبع في نفسها بالوراثة ، فالكفر قد أحاط بها بتغلغله في نفسها وبنشأتها عليه وبكونها بين قوم كافرين ، فمن أين يخلص إليها الهدى والإيمان .