البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{وَصَدَّهَا مَا كَانَت تَّعۡبُدُ مِن دُونِ ٱللَّهِۖ إِنَّهَا كَانَتۡ مِن قَوۡمٖ كَٰفِرِينَ} (43)

ثم قال الله تعالى : { وصدها } قبل ذلك عما دخلت فيه ضلالها عن سواء السبيل .

وقيل : وصدها الله أو سليمان عما كانت تعبد بتقدير حذف الجار واتصال الفعل . انتهى .

أما قوله : ويجوز أن يكون من كلام بلقيس ، فهو قول قد تقدم إليه على سبيل التعيين لا الجواز .

قيل : والمعنى وأوتينا العلم بصحة نبوته بالآيات المتقدمة من أمر الهدهد والرسل من قبل هذه المعجزة ، يعني إحضار العرش .

وكنا مسلمين مطيعين لأمرك منقادين لك .

والظاهر أن الفاعل بصدّها هو قوله : { ما كانت تعبد } ، وكونه الله أو سليمان ، وما مفعول صدّها على إسقاط حرف الجر ، قاله الطبري ، وهو ضعيف لا يجوز إلا في ضرورة الشعر ، نحو قوله :

تمرون الديار ولم تعوجوا . . .

أي عن الديار ، وليس من مواضع حذف حرف الجر .

وإذا كان الفاعل هو ما كانت بالمصدود عنه ، الظاهر أنه الإسلام .

وقال الرماني : التقدير التفطن للعرش ، لأن المؤمن يقظ والكافر خبيث .

والظاهر أن قوله : { وصدها } معطوف على قوله : { وأوتينا } ، إذا كان من كلام سليمان ، وإن كان يحتمل ابتداء إخبار من الله تعالى لمحمد نبيه ولأمته .

وإن كان وأوتينا من كلام بلقيس ، فالظاهر أنه يتعين كونه من قول الله تعالى وقول من قال إنه متصل بقوله : { أتهتدي أم تكون من الذين لا يهتدون } .

والواو في صدها للحال ، وقد مضمرة مرغوب عنه لطول الفصل بينهما ، ولأن التقديم والتأخير لا يذهب إليه إلا عند الضرورة .

وقرأ الجمهور : إنها بكسر الهمزة ، وسعيد بن جبير ، وابن أبي عبلة : بفتحها ، فإما على تقدير حرف الجر ، أي لأنها ، وإما على أن يكون بدلاً من الفاعل الذي هو ما كانت تعبد .