روح المعاني في تفسير القرآن والسبع المثاني للآلوسي - الآلوسي  
{وَصَدَّهَا مَا كَانَت تَّعۡبُدُ مِن دُونِ ٱللَّهِۖ إِنَّهَا كَانَتۡ مِن قَوۡمٖ كَٰفِرِينَ} (43)

{ وَصَدَّهَا مَا كَانَت تَّعْبُدُ مِن دُونِ الله } وهو بيان من جهته عز وجل لما كان يمنعها من إظهار ما ادعت من الإسلام إلى الآن أي صدها عن إظهار ذلك يوم أوتيت العلم الذي يقتضيه عبادتها القديمة للشمس ، فما مصدرية والمصدر فاعل صد ، وجوز كونها موصولة واقعة على الشمس وهي فاعل أيضاً والإسناد مجازي على الوجهين .

وقوله تعالى : { إِنَّهَا كَانَتْ مِن قَوْمٍ كافرين } تعليل لسببية عبادتها المذكورة للصد أي إنها كانت من قوم راسخين في الكفر فلذلك لم تكن قادرة على إظهار إسلامها وهي بين ظهرانيهم إلى أن حضرت بين يدي سليمان عليه السلام . وقرأ سعيد بن جبير . وابن أبي عبلة { أَنَّهَا } بفتح الهمزة على تقدير لام التعليل أي لأنها أو جعل المصدر بدلاً من فاعل صد بدل اشتمال . وقيل : قوله تعالى : { وَأُوتِينَا } [ النمل : 42 ] الخ من كلام قوم سليمان عليه السلام كأنهم لما سمعوها أجابت السؤال بقولها : { كَأَنَّهُ هُوَ } [ النمل : 42 ] قالوا . قد أصابت في جوابها فطبقت المفصل وهي عاقلة لبيبة وقد رزقت الإسلام وعلمت قدرة الله عز وجل وصحة النبوة بالآيات التي تقدمت وبهذه الآية العجيبة من أمر عرشها وعطفوا على ذلك قولهم : وأوتينا العلم بالله تعالى وبقدرته وبصحة ما جاء من عنده سبحانه قبل علمها ولم نزل على دين الإسلام ، وكان هذا منهم شكراً لله تعالى على فضلهم عليها وسبقهم إلى العلم بالله تعالى والإسلام قبلها ، ويومئ إلى هذا المطوي جعل علمهم وإسلامهم قبلها ، وقوله تعالى : { وَصَدَّهَا } الخ على هذا يحتمل أن يكون من تتمة كلام القوم .

ويحتمل أن يكون ابتداء إخبار من جهته عز وجل . وعن مجاهد . وزهير بن محمد أن { وَأُوتِينَا } [ النمل : 42 ] من كلام سليمان عليه السلام وفي { وَصَدَّهَا } الخ عليه أيضاً احتمال ، ولا يخفى ما في جعل { وَأُوتِينَا } الخ من كلام القوم أو من سليمان عليه السلام من البعد والتكلف وليس في ذلك جهة حسن سوى اتساق الضمائر المؤنثة .

وقيل : إن { وَأُوتِينَا } الخ من تتمة كلامها . وقوله تعالى : { وَصَدَّهَا } الخ ابتداء إخبار من جهته تعالى لبيان حسن حالها وسلامة إسلامها عن شوب الشرك بجعل فاعل صدها ضميره عز وجل أو ضمير سليمان عليه السلام .

وما مصدرية أو موصولة قبلها حرف جر مقدر أي صدها الله تعالى أو سليمان عن عبادتها من دون الله أو عن الذي تعبده من دونه تعالى . ونقل ذلك أبو حيان عن الطبري وتعقبه بقوله : وهو ضعيف لا يجوز إلا في الشعر نحو قوله :

تمرون الديار ولم تعوجوا *** وليس من مواضع حذف حرف الجر .

وأنت تعلم أن المعنى مع هذا مما لا ينشرح له الصدر ، وأبعد بعضهم كل البعد فزعم أن قوله تعالى : { وَصَدَّهَا } الخ متصل بقوله سبحانه : { أَتَهْتَدِى أَمْ تَكُونُ مِنَ الذين لاَ يَهْتَدُونَ } [ النمل : 41 ] والواو فيه للحال وقد مضمرة . وفي «البحر » أنه قول مرغوب عنه لطول الفصل بينها ولأن التقديم والتأخير لا يذهب إليه إلا عند الضرورة . ولعمري من أنصف رأي أن ما ذكر مما لا ينبغي أن يخرج عليه كلام الله تعالى المجيد ، وأنا أقول بعد القيل والقال : إن وجه ربط هذه الجمل مما يحتاج إلى تدقيق النظر فليتأمل والله تعالى الموفق .