ويغلبهم التأثر فلا تكفي الألفاظ في تصوير ما يجيش في صدورهم منه ، فإذا الدموع تنطلق معبرة عن ذلك التأثر الغامر الذي لا تصوره الألفاظ : ( ويخرون للأذقان يبكون ) . . ( ويزيدهم خشوعا ) فوق ما استقبلوه به من خشوع .
إنه مشهد مصور لحالة شعورية غامرة ، يرسم تأثير هذا القرآن في القلوب المتفتحة لاستقبال فيضه ؛ العارفة بطبيعته وقيمته بسبب ما أوتيت من العلم قبله . والعلم المقصود هو ما أنزله الله من الكتاب قبل القرآن ، فالعلم الحق هو ما جاء من عند الله .
وقوله : { وَيَخِرُّونَ لِلأذْقَانِ يَبْكُونَ } أي : خضوعًا لله عز وجل وإيمانًا وتصديقًا بكتابه ورسوله ، ويزيدهم الله خشوعًا ، أي : إيمانًا وتسليمًا كما قال : { وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى وَآتَاهُمْ تَقْوَاهُمْ } [ محمد : 17 ] .
وقوله : { وَيَخِرُّونَ } عطف صفة على صفة لا عطف سجود على سجود ، كما قال الشاعر :
إلَى المَلك القَرْم وابن الهُمام *** وَلَيْث الكَتِيبَة في المُزْدَحَمْ
القول في تأويل قوله تعالى : { وَيَخِرّونَ لِلأذْقَانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعاً } .
يقول تعالى ذكره : ويخرّ هؤلاء الذين أوتوا العلم من مؤمني أهل الكتابين من قبل نزول الفرقان ، إذا يُتْلَى عليهم القرآن لأذقانهم يبكون ، ويزيدهم ما في القرآن من المواعظ والعبر خشوعا ، يعني خضوعا لأمر الله وطاعته ، واستكانة له . حدثنا أحمد بن منيع ، قال : حدثنا عبد الله بن المبارك ، قال : أخبرنا مِسْعر ، عن عبد الأعلى التيميّ ، أن من أوتي من العلم ما لم يبكه لخليق أن لا يكون أوتي علما ينفعه ، لأن الله نعت العلماء فقال إنّ الّذِينَ أُوتُوا العِلْمَ مِنْ قَبْلِهِ إذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ يَخِرّونَ للأَذْقانِ . . . الاَيتين .
حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، قال : حدثنا عبد الله بن المبارك ، عن مسعر بن كدام ، عن عبد الأعلى التيمي بنحوه ، إلاّ أنه قال : إذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ يَخِرّونَ للأَذْقانِ ثم قال : ويَخِرّونَ للأَذْقانِ يَبْكُونَ . . . الاَية .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ويَخُرّونَ للأَذْقانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعا . قال : هذا جواب وتفسير للاَية التي في كهيعص إذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آياتُ الرّحْمَنَ خَرّوا سُجّدا وَبُكِيّا .
هذه مبالغة في صفتهم ومدح لهم وحض لكل من ترسم بالعلم وحصل منه شيئاً أن يجري إلى هذه الرتبة ، وحكى الطبري عن التميمي{[7731]} أنه قال : إن من أوتي من العلم ما لم يبكه لخليق أن لا يكون أوتي علماً ينفعه ، لأن الله تعالى نعت العلماء ، ثم تلا هذه الآية كلها ،
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.