محاسن التأويل للقاسمي - القاسمي  
{وَيَخِرُّونَ لِلۡأَذۡقَانِ يَبۡكُونَ وَيَزِيدُهُمۡ خُشُوعٗا۩} (109)

[ 109 ] { ويخرّون للأذقان يبكون ويزيدهم خشوعا 109 } .

[ 107 ] { قل آمنوا به أو لا تؤمنوا إن الذين أوتوا العلم من قبله إذا يتلى عليهم يخرّون للأذقان سجدا 107 } .

{ قل آمنوا به أو لا تؤمنوا ، إن الذين أوتوا العلم من قبله إذا يتلى عليهم يخرّون للأذقان سجدا ويقولون سبحان ربنا إن كان وعد ربنا لمفعولا * ويخرون للأذقان يبكون ويزيدهم خشوعا } .

قال الزمخشري : أمر بالإعراض عنهم واحتقارهم والازدراء بشأنهم ، وأن لا يكترث بهم وبإيمانهم وبامتناعهم عنه . وإنهم لم يدخلوا في الإيمان ولم يصدقوا بالقرآن وهم أهل جاهلية وشرك ، فإن خيرا منهم وأفضل ، وهم العلماء الذين قرأوا الكتب وعلموا ما الوحي وما الشرائع ، قد آمنوا به وصدقوه . وثبت عندهم أنه النبي العربي الموعود في كتبهم . فإذا تلي عليهم خرّوا سجدا وسبحوا الله تعظيما لأمره ، ولإنجازه ما وعد في الكتب المنزلة ، وبشر به من بعثة محمد صلى الله عليه وسلم وإنزال القرآن عليه . وهو المراد بالوعد في قوله : { إن كان وعد ربنا لمفعولا } .

فإن قلت { إن الذين أوتوا العلم } تعليل لماذا ؟ قلت : يجوز أن يكون تعليلا لقوله : { آمنوا به أو لا تؤمنوا } ، وأن يكون تعليلا ل ( قل ) على سبيل التسلية لرسول الله صلى الله عليه وسلم وتطييب نفسه . كأنه قيل : تسلّ عن إيمان الجهلة بإيمان العلماء . وعلى الأول : إن لم تؤمنوا به / لقد آمن به من هو خير منكم . فإن قلت : ما معنى الخرور للذقن ؟ قلت : السقوط على الوجه . وإنما ذكر الذقن ، وهو مجتمع اللحيين ، لأن الساجد أول ما يلقى به الأرض من وجهه ، الذقن . فإن قلت : حرف الاستعلاء ظاهر المعنى ، إذا قلت خرّ على وجهه وعلى ذقنه ، فما معنى اللام في ( خرّ لذقنه ولوجهه ) قال : فخر صريعا لليدين وللفم ؟ قلت : معناه جعل ذقنه ووجهه للخرور . واختصه به . لأن اللام للاختصاص . فإن قلت : لم كرر يخرون للأذقان ؟ قلت : لاختلاف الحالين ، وهما خرورهم في حال كونهم ساجدين ، وخرورهم في حال كونهم باكين . انتهى .

تنبيه :

دل نعت هؤلاء ومدحهم بخرورهم باكين ، على استحباب البكاء ، والتخشع . فإن كل ما حمد فيه من النعوت والصفات التي وصف الله تعالى بها من أحبه من عباده ، يلزم الاتصاف بها . كما أن ما ذمّ منها من مقته منهم ، يجب اجتنابه .

وقد عدّ الإمام الغزالي في ( الإحياء ) من آداب ظاهر التلاوة البكاء . قال : البكاء مستحب مع القراءة . قال رسول الله صلى الله عليه وسلم{[5512]} : " اتلوا القرآن وابكوا . فإن لم تبكوا فتباكوا " ، وقال ابن عباس رضي الله عنهما : " إذا قرأتم سجدة سبحان ، فلا تعجلوا بالسجود حتى تبكوا ، فإن لم تبك عين أحدكم ، فليبك قلبه " . وإنما طريق تكلف البكاء أن يحضر قلبه الحزن . فمن الحزن ينشأ البكاء ، ووجه إحضار الحزن ، أن يتأمل ما فيه من التهديد والوعيد والمواثيق والعهود . ثم يتأمل تقصيره في أوامره وزواجره فيحزن لا محالة ويبكي . فإن لم يحضره حزن وبكاء ، كما يحضر أرباب القلوب الصافية ، فليبك على فقد الحزن والبكاء ، فإن ذلك أعظم المصائب . انتهى .

وذكر السيوطيّ في ( الإكليل ) أن الشافعي استدل بقوله تعالى : { ويقولون سبحان ربنا } الآية ، على استحباب هذا الذكر في سجود التلاوة .


[5512]:أخرجه ابن ماجة في: 5- كتاب الإقامة، 176- باب في حسن الصوت بالقرآن. حديث 1337 (طبعتنا) عن سعد بن أبي وقاص.