روح المعاني في تفسير القرآن والسبع المثاني للآلوسي - الآلوسي  
{وَيَخِرُّونَ لِلۡأَذۡقَانِ يَبۡكُونَ وَيَزِيدُهُمۡ خُشُوعٗا۩} (109)

{ وَيَخِرُّونَ لِلاْذْقَانِ يَبْكُونَ } كرر الخرور للأذقان لاختلاف السبب فإن الأول لتعظيم أمر الله تعالى أو الشكر لإنجاز الوعد والثاني لما أثر فيهم من مواعظ القرآن ، والجار والمجرور إما متعلق بما عنده أو بمحذوف وقع حالاً مما قبل أو مما بعد أي ساجدين ، وجملة { يَبْكُونَ } حال أيضاً أي باكين من خشية الله تعالى ، ولما كان البكاء ناشئاً من الخشية الناشئة من التفكر الذي يتجدد جيء بالجملة الفعلية المفيدة للتجدد ، وقد جاء في مدح البكاء من خشيته تعالى أخبار كثيرة فقد أخرج الحكيم الترمذي عن النضر بن سعد قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «لو أن عبداً بكى في أمة لأنجى الله تعالى تلك الأمة من النار ببكاء ذلك العبد وما من عمل إلا له وزن وثواب إلا الدمعة فإنها تطفىء بحوراً من النار وما أغروروقت عين بمائها من خشية الله تعالى إلا حرم الله تعالى جسدها على النار فإن فاضت على خده لم يرهق وجهه قتر ولا ذلة » وأخرج أيضاً عن ابن عباس قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : «عينان لا تمسهما النار عين بكت من خشية الله تعالى وعين باتت تحرس في سبيل الله تعالى » وأخرج هو والنسائي ومسلم عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «لا يلج النار رجل بكى من خشية الله تعالى حتى يعود اللبن في الضرع ولا اجتمع على عبد غبار في سبيل الله تعالى ودخان جهنم » زاد النسائي في منخريه ومسلم أبداً ، وينبغي أن يكون ذلك حال العلماء فقد أخرج ابن جرير وابن المنذر وغيرهما عن عبد الأعلى التيمي أنه قال : إن من أوتي من العلم ما لا يبكيه لخليق أن قد أوتي من العلم ما لا ينفعه لأن الله تعالى نعت أهل العلم فقال : { وَيَخِرُّونَ لِلاْذْقَانِ يَبْكُونَ } { وَيَزِيدُهُمْ } أي القرآن بسماعهم { خُشُوعًا } لما يزيدهم علماً ويقيناً بأمر الله تعالى على ما حصل عندهم من الأدلة .

( ومن باب الإشارة ) :{ وَيَخِرُّونَ للأذقان يَبْكُونَ } [ الإسراء : 109 ] لعظمته أو شوقاً لمنزله وحباً للقائه ، قال أبو يعقوب السوسي : البكاء على أنواع بكاء من الله تعالى وهو أن يبكي خوفاً مما جرى به القلم في الفاتح ويظهر في الخاتمة وبكاء على الله عز وجل وهو أن يبكي تحسراً على ما يفوته من الحق تعالى ، وبكاء لله تبارك وتعالى وهو أن يبكي عند ذكره سبحانه وذكر وعده ووعيده وبكاء بالله تعالى وهو أن يبكي يلاحظ منه في بكائه ، وقال القاسم : البكاء على وجوه بكاء الجهال على ما جهلوا وبكاء العلماء على ما قصروا وبكاء الصالحين مخافة الفوت ، وبكاء الأئمة مخافة السبق وبكاء الفرسان من أرباب القلوب للهيبة والخشية ولا بكاء للموحدين ، وفي الآية إشارة ما إلى السماع ولا أشرف من سماع القرآن فهو الروح والرحيان { قُلِ ادعوا الله أَوِ ادعوا الرحمن } قيل دعاء الله بالفناء في الذات ودعاء الرحمن بالفناء في الصفة وصفة الرحمانية هي أم الصفات وبها استوى سبحانه على عرشه ، ومن ذلك يعلم أنه ليس المراد من الإيجاد إلا رحمة الموجودين