والذي نزل القرآن من الملأ الأعلى ، وخلق الأرض والسماوات العلى ، هو { الرحمن } فما نزله على عبده ليشقى . وصفة الرحمة هي التي تبرز هنا للإلمام بهذا المعنى . وهو المهيمن على الكون كله . { على العرش استوى } والاستواء على العرش كناية عن غاية السيطرة والاستعلاء . فأمر الناس إذن إليه وما على الرسول إلا التذكرة لمن يخشى .
وقوله { الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى } : تقدم الكلام على ذلك في سورة الأعراف ، بما أغنى عن إعادته أيضًا ، وأن المسلك الأسلم في{[19208]} ذلك طريقة السلف ، إمرار ما جاء في ذلك من الكتاب والسنة من غير تكييف ولا تحريف ، ولا تشبيه ، ولا تعطيل ، ولا تمثيل .
وقوله : " الرّحْمَنُ عَلى العَرْشِ اسْتَوَى " يقول تعالى ذكره : الرحمن على عرشه ارتفع وعلا .
وقد بيّنا معنى الاستواء بشواهده فيما مضى وذكرنا اختلاف المختلفين فيه فأغنى ذلك عن إعادته في هذا الموضع . وللرفع في الرحمن وجهان : أحدهما بمعنى قوله : تنزيلاً ، فيكون معنى الكلام : نزله من خلق الأرض والسموات ، نزله الرحمن الذي على العرش استوى . والاَخر بقوله : عَلى العَرْشِ اسْتَوَى لأن في قوله استوى ، ذكرا من الرحمن .
وقوله { الرحمنُ } رفع بالابتداء ويصح أن يكون بدلاً من الضمير المستقر في { خلق } . وقوله { استوى } قالت فرقة : هو بمعنى استولى ، وقال أبو المعالي وغيره من المتكلمين : هو بمعنى استواء القهر والغلبة ، وقال سفيان الثوري : فعل فعلاً في العرش سماه استواء وقال الشعبي وجماعة غيره : هذا من متشابه القرآن يؤمن به ولا يعرض لمعناه ، وقال مالك بن أنس لرجال سأله عن هذا الاستواء فقال له مالك : الاستواء معلوم والكيفية مجهولة والسؤال عن هذا بدعة وأظنك رجل سوء أخرجوه عني ، فأدبر السائل وهو يقول : يا أبا عبد الله لقد سألت عنها أهل العراق وأهل الشام فما وفق احد توفيقك .
قال القاضي أبو محمد : وضعف أبو المعالي قول من قال لا يتكلم في تفسيرها بأن قال إن كل مؤمن يجمع على أن لفظة الاستواء ليست على عرفها في معهود الكلام العربي ، فإذا فعل هذا فقد فسر ضرورة ولا فائدة في تأخره على طلب الوجه والمخرج البين ، بل في ذلك البأس على الناس وإيهام للعوام ، وقد تقدم القول في مسألة الاستواء .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.