اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{ٱلرَّحۡمَٰنُ عَلَى ٱلۡعَرۡشِ ٱسۡتَوَىٰ} (5)

قوله : { الرَّحْمانُ } العامة على رفعه ، وفيه أوجه :

أحدها : أنه بدل من الضمير المستكن في " خَلَقَ " ذكره ابن عطية{[23074]} ، ورده أبو حيان بأن البدل يحل محل المبدل منه ، ولو حل محله لم يجز لخلو الجملة الموصولة بها من رابط يربطها به{[23075]} .

الثاني : أن يرتفع على خبر مبتدأ مضمر تقديره : هو الرحمن{[23076]} .

الثالث : أن يرتفع على الابتداء مشاراً إلى " مَنْ خَلَقَ " والجملة بعده خبر . وقرأ جناح بن حُبَيش : " الرَّحْمنِ " مجروراً{[23077]} ، وفيه وجهان :

أحدهما : أنه بدل من الموصول . لا يقال : إنه يؤدي إلى البدل بالمشتق وهو قليل ، لأن ( الرحمن ) يجري مجرى الجوامد لكثرة إيلائه العوامل{[23078]} .

والثاني : أن يكون صفة للموصول أيضاً{[23079]} .

قال أبو حيان : ومذهب الكوفيين أن الأسماء النواقص ك " مَنْ " و " مَا " لا يوصف منها إلاَّ الذي وحده ، فعلى مذهبهم لا يجوز أن يكون صفة{[23080]} . قال ذلك كالراد على الزمخشري .

والجملة في قوله{[23081]} : { عَلَى العَرْشِ اسْتَوَى } خَبَر لقوله { الرَّحْمنُ } على القول : بأنه مبتدأ ، أو خبر مبتدأ مضمر ، إن قيل : إنه مرفوع على خبر مبتدأ مضمر{[23082]} ، وكذلك في قراءة مَنْ جرَّه{[23083]} . وفاعل " اسْتَوَى " ضمير يعود على " الرَّحْمانُ " . وقيل : بل فاعله " مَا " الموصولة{[23084]} بعده{[23085]} ، أي : استوى الذي له ما في السموات قال أبو البقاء : وقال بعضُ الغلاةِ{[23086]} : " مَا " {[23087]} فاعل " اسْتَوَى " ، وهذا بعيد ، ثم هو غير نافع له في التأويل ، إذ يبقى قوله : { الرَّحْمنُ عَلَى العَرشِ اسْتَوَى } كلاماً تامّاً ومنه هرب{[23088]} . قال شهابُ الدين : هذا يُروى{[23089]} عن ابن عبَّاس ، وأنَّه كان يقفُ على لفظ " العَرْشِ " ثم يبتدئ ب{[23090]} " اسْتَوَى لَهُ مَا فِي السَّمَواتِ " ، وهذا لا يصح عنه{[23091]} .


[23074]:تفسير ابن عطية 10/4.
[23075]:قال أبو حيان: (وأرى أن مثل هذا لا يجوز، لأن البدل يحل محل المبدل منه و(الرحمان) لا يمكن أن يحل محل الضمير، لأن الضمير عائد على (من) الموصولة، و (خَلَق) صلة، والرابط هو الضمير فلا محل محله الظاهر لعدم الرابط). البحر المحيط 6/266.
[23076]:قال الزمخشري: والرفع أحسن لأنه إما أن يكون رفعا على المدح على تقدير هو الرحمن، وإما أن يكون مبتدأ مشارا بلامه إلى "من خلق" الكشاف 2/427.
[23077]:المختصر (87)، البحر المحيط 6/226.
[23078]:أي أنه بدل من الموصول في قوله {ممن خلق} في الآية السابقة. قاله الزجاج. معاني القرآن وإعرابه 3/350، وانظر البحر المحيط 6/226.
[23079]:أي أنه صفة للموصول في قوله {ممن خلق} في الآية السابقة. قاله الزمخشري . الكشاف 2/427.
[23080]:وهو كما في البحر المحيط (ومذهب الكوفيين أن الأسماء النواقص التي لا تتم إلا بصلاتها نحن (من) و(ما) لا يجوز نعتها إلا (الذي) و(التي) فيجوز نعتها فعلى مذهبهم لا يجوز أن يكون "الرحمن" صفة لـ "من" 6/226. بناء منه على أن الموصول لا ينعت، لأنه كجزء الكلمة ولا يتم إلا بصلته وجزء الكلمة لا ينعت، إلا المقرون بأل منه كالذي والتي، لأنه يوصف به ويصغر ويثنى ويجمع، وقد جوز السيوطي أيضا نعت (من) و(ما) تقول: جاءني من في الدار العاقل، ونظرت إلى ما اشتريت الحسن. انظر الهمع 2/118.
[23081]:في ب: قولك. وهو تحريف.
[23082]:في ب: أو مضمر. و هو تحريف.
[23083]:انظر الكشاف 2/427.
[23084]:في ب: وقيل بل لا فاعله الموصول. وهو تحريف.
[23085]:من قوله تعالى: "له ما في السماوات وما في الأرض" من الآية التي بعدها.
[23086]:في ب: الغلا. وهو تحريف.
[23087]:ما : سقط من ب.
[23088]:التبيان 2/885.
[23089]:في ب: مروى.
[23090]:بـ: سقط من ب.
[23091]:الدر المصون 5/20.