إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم لأبي السعود - أبو السعود  
{ٱلرَّحۡمَٰنُ عَلَى ٱلۡعَرۡشِ ٱسۡتَوَىٰ} (5)

{ الرحمن } رُفع على المدح أي هو الرحمن وقد عرفت في صدر سورةِ البقرة أن المرفوعَ مدحاً في حكم الصفةِ الجاريةِ على ما قبله وإن لم يكن تابعاً له في الإعراب ، ولذلك التزموا حذفَ المبتدأ ليكون في صورة متعلّق من متعلقاته وقد قرئ بالجر على أنه صفةٌ صريحةٌ للموصول ، وما قيل من أن الأسماءَ الناقصةَ لا يوصف منها إلا الذي وحده مذهب الكوفيين ، وأياً ما كان فوصفُه بالرحمانية إثرَ وصفِه بخالقية السماوات والأرض للإشعار بأن خلقَهما من آثار رحمته تعالى كما أن قوله تعالى : { رَبّ السماوات والأرض وَمَا بَيْنَهُمَا الرحمن } للإيذان بأن ربوبيتَه تعالى بطريق الرحمةِ ، وفيه إشارةٌ إلى أن تنزيلَ القرآنِ أيضاً من أحكام رحمتِه تعالى كما ينبّئ عنه قوله تعالى : { الرحمن عَلَّمَ القرآن } .

أو رفع على الابتداء واللامُ للعهد والإشارةِ إلى الموصول ، والخبرُ قوله تعالى : { عَلَى العرش استوى } وجعلُ الرحمة عنوانَ الموضوع الذي شأنُه أن يكون معلومَ الثُبوت للموضوع عند المخاطَب للإيذان بأن ذلك أمرٌ بيّن لا سُتْرَةَ به غنيٌّ عن الإخبار به صريحاً ، وعلى متعلقةٌ باستوى قدِّمت عليه لمراعاة الفواصِل ، والجارُّ والمجرور على الأول خبرُ مبتدأ محذوفٍ كما في قراءة الجرِّ وقد جُوِّز أن يكون خبراً بعد خبر ، والاستواءُ على العرش مجازٌ عن المُلك والسلطان ومتفرِّعٌ على الكناية فيمن يجوّز عليه القعودَ على السرير ، يقال : استوى فلانٌ على سرير الملك يراد به مَلَك وإن لم يقعُدْ على السرير أصلاً ، والمرادُ بيانُ تعلقِ إرادتِه الشريفة بإيجاد الكائنات وتدبيرِ أمرها .