في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{وَإِخۡوَٰنُهُمۡ يَمُدُّونَهُمۡ فِي ٱلۡغَيِّ ثُمَّ لَا يُقۡصِرُونَ} (202)

199

ذلك شأن المتقين : ( إذا مسهم طائف من الشيطان تذكروا فإذا هم مبصرون ) . . جاء بيان هذا الشأن معترضاً بين أمر الله سبحانه بالإعراض عن الجاهلين ؛ وبيان ماذا ومن ذا وراء هؤلاء الجاهلين ، يدفعهم إلى الجهل والحمق والسفه الذي يزاولون . . فلما انتهى التعقيب عاد السياق يحدث عن الجاهلين :

( وإخوانهم يمدونهم في الغي ثم لا يقصرون . وإذا لم تأتهم بآية قالوا : لولا اجتبيتها . قل : إنما أتبع ما يوحى إلي من ربي ، هذا بصائر من ربكم وهدى ورحمة لقوم يؤمنون )

وإخوانهم الذين يمدونهم في الغي هم شياطين الجن . . وقد يكونون هم شياطين الإنس أيضاً . . إنهم يزيدون لهم في الضلال ، لا يكلون ولا يسأمون ولا يسكتون ! وهم من ثم يحمقون ويجهلون ! ويظلون فيما هم فيه سادرين .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{وَإِخۡوَٰنُهُمۡ يَمُدُّونَهُمۡ فِي ٱلۡغَيِّ ثُمَّ لَا يُقۡصِرُونَ} (202)

وقوله : { وَإِخْوَانِهِمْ } أ : ي وإخوان الشياطين من الإنس ، كقوله : { إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ } [ الإسراء : 27 ] وهم أتباعهم والمستمعون{[12568]} لهم القابلون{[12569]} لأوامرهم { يَمُدُّونَهُمْ فِي الْغَيِّ } أي : تساعدهم الشياطين على [ فعل ]{[12570]} المعاصي ، وتسهلها عليهم وتحسنها لهم .

وقال ابن كثير : المد : الزيادة . يعني : يزيدونهم في الغي ، يعني : الجهل والسفه .

{ ثُمَّ لا يُقْصِرُونَ } قيل : معناه إن الشياطين تمد ، والإنس لا تقصر في أعمالهم بذلك . كما قال علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس في قوله : { وَإِخْوَانُهُمْ يَمُدُّونَهُمْ فِي الْغَيِّ ثُمَّ لا يُقْصِرُونَ } قال : لا الإنس يقصرون عما يعملون من السيئات ، ولا الشياطين تمسك عنهم .

قيل : معناه كما رواه العوفي ، عن ابن عباس في قوله : { يَمُدُّونَهُمْ فِي الْغَيِّ ثُمَّ لا يُقْصِرُونَ } قال : هم الجن ، يوحون إلى أوليائهم من الإنس { ثُمَّ لا يُقْصِرُونَ } يقول : لا يسأمون .

وكذا قال السُّدِّي وغيره : يعني إن الشياطين يمدون أولياءهم من الإنس ولا تسأم من إمدادهم في الشر ؛ لأن ذلك طبيعة لهم وسَجِيَّة ، لا تفتر فيه ولا تبطل عنه ، كما قال تعالى : { أَلَمْ تَرَ أَنَّا أَرْسَلْنَا الشَّيَاطِينَ عَلَى الْكَافِرِينَ تَؤُزُّهُمْ أَزًّا } [ مريم : 83 ] قال ابن عباس وغيره : تزعجهم إلى المعاصي إزعاجا .


[12568]:في ك، م، أ: "المستمعين".
[12569]:في أ: "القائلون".
[12570]:زيادة من أ.
 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{وَإِخۡوَٰنُهُمۡ يَمُدُّونَهُمۡ فِي ٱلۡغَيِّ ثُمَّ لَا يُقۡصِرُونَ} (202)

القول في تأويل قوله تعالى : { وَإِخْوَانُهُمْ يَمُدّونَهُمْ فِي الْغَيّ ثُمّ لاَ يُقْصِرُونَ } . .

يقول تعالى ذكره : وإخوان الشياطين تمدّهم الشياطين في الغيّ . يعني بقوله : يمُدّونَهُمْ يزيدونهم . ثُمّ لا يُقْصِرُونَ عما قصر عنه الذين اتقوا إذا مسهم طائف من الشيطان . وإنما هذا خبر من الله عن فريقي الإيمان والكفر ، بأن فريق الإيمان وأهل تقوى الله إذا استزلهم الشيطان تذكروا عظمة الله وعقابه ، فكفتهم رهبته عن معاصيه وردتهم إلى التوبة والإنابة إلى الله مما كان منهم من زلة ، وأن فريق الكافرين يزيدهم الشيطان غيّا إلى غيهم إذا ركبوا معصية من معاصي الله ، ولا يحجزُهم تقوى الله ولا خوف المعاد إليه عن التمادي فيها والزيادة منها ، فهو أبدا في زيادة من ركوب الإثم ، والشيطان يزيده أبدا ، لا يُقصر الإنسيّ عن شيء من ركوب الفواحش ولا الشيطان من مدّه منه . كما :

حدثني المثنى ، قال : حدثنا عبد الله بن صالح ، قال : ثني معاوية ، عن عليّ ، عن ابن عباس : وإخْوَانُهُمْ يَمُدّونَهُمْ فِي الغَيّ ثُمّ لا يُقْصِرُونَ قال : لا الإنس يقصرون عما يعملون من السيئات ، ولا الشياطين تمسك عنهم .

حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله : وإخْوَانُهُمْ يَمُدّونَهُمْ فِي الغَيّ ثُم لا يُقْصِرُونَ يقول : هم الجنّ يوحون إلى أوليائهم من الإنس ، ثم لا يقصرون ، يقول : لا يسأمون .

حدثنا محمد بن الحسين ، قال : حدثنا أحمد بن المفضل ، قال : حدثنا أسباط ، عن السديّ : وإخْوَانُهُمْ يَمُدّونَهُمْ فِي الغَيّ إخوان الشياطين من المشركين ، يمدّهم الشيطان في الغيّ . ثُمّ لا يُقْصِرُونَ .

حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، قال : قال ابن جريج ، قال عبد الله بن كثير : وإخوانهم من الجنّ ، يمدّون إخوانهم من الإنس ، ثم لا يقصرون ، ثم يقول لا يقصر الإنسانُ . قال : والمدّ الزيادة ، يعني : أهل الشرك ، يقول : لا يقصر أهل الشرك ، كما يقصر الذين اتقوا لأنهم لا يحجزهم الإيمان . قال ابن جريج ، قال مجاهد وإخْوَانُهُمْ من الشياطين يَمُدّونَهُمْ فِي الغَيّ ثُمّ لا يُقْصِرُونَ استجهالاً يمدّون أهل الشرك . قال ابن جريج : وَلَقَدْ ذَرَأْنا لِجَهَنّمَ كَثِيرا مِنَ الجِنّ وَالإنْسِ قال : فهؤلاء الإنس . يقول الله : وَإخْوَانُهُمْ يَمُدّونَهُمْ فِي الغَيّ .

حدثنا محمد بن عبد الأعلى ، قال : ثني محمد بن ثور ، عن معمر ، عن قتادة : وإخْوَانُهُمْ يَمُدّونَهُمْ فِي الغَيّ ثُمّ لا يُقْصِرُونَ قال : إخوان الشياطين يمدّهم الشياطين في الغيّ ثم لا يقصرون .

حدثنا محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : وإخْوَانُهُمْ من الشياطين . يَمُدّونَهُمْ فِي الغَيّ استجهالاً .

وكان بعضهم يتأوّل قوله : ثُمّ لا يُقْصِرُونَ بمعنى : ولا الشياطين يُقْصِرون في مدّهم إخوانهم من الغيّ . ذكر من قال ذلك .

حدثنا بشر بن معاذ ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : وإخْوَانُهُمْ يَمُدّونَهُمْ فِي الغَيّ ثُمّ لا يُقْصِرُونَ عنهم ، ولا يرحمونهم .

قال أبو جعفر : وقد بيّنا أولى التأويلين عندنا بالصواب ، وإنما اخترنا ما اخترنا من القول في ذلك على ما بيّناه لأن الله وصف في الاَية قبلها أهل الإيمان به وارتداعهم عن معصيته وما يكرهه إلى محبته عند تذكرهم عظمته ، ثم أتبع ذلك الخبر عن إخوان الشياطين وركوبهم معاصيه ، وكان الأولى وصفهم بتماديهم فيها ، إذ كان عقيب الخبر عن تقصير المؤمنين عنها .

وأما قوله : يَمُدّونَهُمْ فإن القرّاء اختلفت في قراءته ، فقرأه بعض المدنيين : «يُمِدّونَهُمْ » بضم الياء من أمددت . وقرأته عامة قرّاء الكوفيين والبصريين : يَمُدّونَهُمْ بفتح الياء من مددت .

قال أبو جعفر : والصواب من القراءة في ذلك عندنا : يَمُدّونَهُمْ بفتح الياء ، لأن الذي يمدّ الشياطينُ إخوانهم من المشركين إنما هو زيادة من جنس الممدود ، وإذا كان الذي مدّ من جنس الممدود كان كلام العرب مددت لا أمددت .

وأما قوله : يُقْصِرُونَ فإن القرّاء على لغة من قال : أَقْصرت أُقصِر ، وللعرب فيه لغتان : قَصَرْت عن الشيء ، وأقْصَرْت عنه .