في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{يَوۡمَ تُبۡلَى ٱلسَّرَآئِرُ} (9)

فهذه النشأة البالغة الدقة والحكمة تذهب كلها عبثا إذا لم تكن هناك رجعة لتختبر السرائر وتجزى جزاءها العادل : ( يوم تبلى السرائر ) . . السرائر المكنونة ، المطوية على الأسرار المحجوبة . . يوم تبلى وتختبر ، وتتكشف وتظهر كما ينفذ الطارق من خلال الظلام الساتر

 
صفوة البيان لحسين مخلوف - حسنين مخلوف [إخفاء]  
{يَوۡمَ تُبۡلَى ٱلسَّرَآئِرُ} (9)

{ يوم تبلى . . . } يوم تكشف المكنونات ، وتبدو ظاهرة للعيان . وهي ما أسر في القلوب من العقائد والنيات وغيرها ، وما أخفي من الأعمال ، ويميز بين الطيب منها والخبيث ، وهو يوم القيامة . وأصل الابتلاء : الاختبار والامتحان ؛ وإطلاقه على الكشف والإظهار إطلاق على اللازم .

 
الجامع التاريخي لبيان القرآن الكريم - مركز مبدع [إخفاء]  
{يَوۡمَ تُبۡلَى ٱلسَّرَآئِرُ} (9)

تفسير الإمام مالك 179 هـ :

ابن العربي: قال مالك: في رواية أشهب عنه وسأله عن قوله تعالى: {يوم تبلى السرائر} أبلغك أن الوضوء من السرائر؟ قال: قد بلغني ذلك فيما يقول الناس، فأما حديث أخذته فلا. والصلاة من السرائر والصيام من السرائر، إن شاء قال: صليت ولم يصل. ومن السرائر ما في القلوب يجزي الله به العباد...

جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :

عُنِي بقوله:"يَوْمَ تُبْلى السّرَائِرُ "يوم تُخْتَبرُ سرائر العباد، فيظهر منها يومئذٍ ما كان في الدنيا مستخفيا عن أعين العباد، من الفرائض التي كان الله ألزمه إياها، وكلّفه العمل بها... عن قتادة "يَوْمَ تُبْلَى السّرائِرُ" إن هذه السرائر مختبرة، فأسِرّوا خيرا وأعلنوه إن استطعتم، ولا قوّة إلا بالله.

تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :

أي يظهر ما كان أخفي منها... سمى ذلك ابتلاء لأن الابتلاء، هو الاختبار؛ وإنما يكون الابتلاء بالسؤال أو بالأمر والنهي، فسمى ما يسأل عنه في الآخرة ابتلاء...

التبيان في تفسير القرآن للطوسي 460 هـ :

معناه تختبر بإظهارها وإظهار موجبها، لأن الابتلاء والاختبار والاعتبار كله إنما هو بإظهار موجب المعنى، ففي الطاعة الحمد والثواب، وفى المعصية الذم والعقاب، وواحد السرائر سريرة وهي الطوية في النفس، وهو إسرار المعنى في النفس، وقد يكون الإسرار من واحد بعينه مع إطلاع غيره عليه فلا يكون سريرة. وقيل: إن الله يفضح العاصي بما كان يستر من معاصيه ويجل المؤمن بإظهار ما كان يسره من طاعته ليكرمه الناس بذلك ويجلوه.

الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :

ما أسرّ في القلوب من العقائد والنيات وغيرها، وما أخفى من الأعمال وبلاؤها. تعرّفها وتصفحها، والتمييز بين ما طاب منها وما خبث...

مفاتيح الغيب للرازي 606 هـ :

وفي كيفية الابتلاء والاختبار ههنا أقوال:

الأول: ما ذكره القفال معنى الاختبار ههنا أن أعمال الإنسان يوم القيامة تعرض عليه وينظر أيضا في الصحيفة التي كتبت الملائكة فيها تفاصيل أعمالهم ليعلم أن المذكور هل هو مطابق للمكتوب، ولما كانت المحاسبة يوم القيامة واقعة على هذا الوجه جاز أن يسمى هذا المعنى ابتلاء، وهذه التسمية غير بعيدة لعباده لأنها ابتلاء وامتحان، وإن كان عالما بتفاصيل ما عملوه وما لم يعملوه.

والوجه الثاني: أن الأفعال إنما يستحق عليها الثواب والعقاب لوجوهها، فرب فعل يكون ظاهره حسنا وباطنه قبيحا، وربما كان بالعكس...

.

نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :

{يوم تبلى} وبناه للمفعول إشارة مع التنبيه على السهولة إلى أن- من الأمر البين غاية البيان أن الذي يبلوها هو الذي يرجعها، وهو الله سبحانه وتعالى من غير احتياج إلى ذكره {السرائر} أي كل ما انطوت عليه الصدور من العقائد والنيات، و أخفته الجوارح...

التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :

وبَلْو السرائر، اختبارها وتمييز الصالح منها عن الفاسد، وهو كناية عن الحساب عليها والجزاء، وبلوُ الأعمال الظاهرة والأقوال مستفاد بدلالة الفحوى من بلو السرائر. ولما كان بلو السرائر مؤذناً بأن الله عليم بما يستره الناس من الجرائم وكان قوله: {يوم تبلى السرائر} مشعراً بالمؤاخذة على العقائد الباطلة والأعمال الشنيعة فرع عليه قوله: {فما له من قوة ولا ناصر}...

تفسير من و حي القرآن لحسين فضل الله 1431 هـ :

وهي الأشياء الخفية التي كان الإنسان يسرّها ويخفيها في نفسه عندما كان في الدنيا، من أعماله التي كان يكتمها عن الآخرين، مما لا يستطيع أن يتحمل مسؤوليته أمامهم. فإنها تختبر وتكشف وتظهر حين يقف الإنسان للحساب على أساسها، فلا يبقى هناك سرّ هارب من المعرفة، أو بعيدٌ عن المسؤولية، بل يقف الإنسان هناك، في يوم القيامة، عارياً من كل ثيابه، ومن كل أسراره، ومن كل عناصر قوّته، وهذا ما يريد القرآن من الإنسان أن يتمثله في وعيه المسؤول، فلا يشعر بالحماية الطبيعية لأسراره السيّئة التي يملك أمر كتمانها، بل يفكر بأن الله سوف يظهرها على رؤوس الأشهاد...

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل - لجنة تأليف بإشراف الشيرازي 2009 هـ :

(يوم تبلى السرائر). «تبلى»: من (البلوى)، بمعنى الاختبار والامتحان، وهو هنا الظهور والبروز، لأنّ الامتحان يكشف عن حقيقة الأشياء ويظهرها. «السرائر»: جمع (سريرة)، وهي صفات ونوايا الإنسان الداخلية. نعم، فأسرار الإنسان الدفينة ستظهر في ذلك اليوم، «يوم البروز» و«يوم الظهور»، فسيظهر على الطبيعة كلّ من: الإيمان، الكفر، النفاق، نيّة الخير، نيّة الشر، الإخلاص، الرياء...

وسيكون ذلك الظهور مدعاة فخر ومزيد نعمة للمؤمنين، ومدعاة ذلّة ومهانة وحسرة للمجرمين... وما أشد ما سيلاقي من قضى وطراً من عمره بين النّاس بظاهر حسن ونوايا خبيثة! وما أتعسه حينما تهتك أقنعته المزيفة فيظهر على حقيقته أمام كلّ الخلائق! وربّما ذلك من أشدّ عذاب جهنم عليه... نعم، فكما إنّ «الطارق» والنجوم الأخرى تظهر من خفائها ليلاً على صفحة السماء، فكذا حال الإنسان في عرصة يوم القيامة، فالحفظة والمراقبين الإلهيين المكلفين لتسجيل أعمال الإنسان سيظهرون كلّ شيء، كظهور ضوء النجم في الليل الداج...

 
الجامع لأحكام القرآن للقرطبي - القرطبي [إخفاء]  
{يَوۡمَ تُبۡلَى ٱلسَّرَآئِرُ} (9)

فيه مسألتان :

الأولى- العامل في " يوم " - وفي قول من جعل المعنى إنه على بعث الإنسان - قوله " لقادر " ، ولا يعمل فيه " رجعه " لما فيه من التفرقة بين الصلة والموصول بخبر " إن " . وعلى الأقوال الأخر التي في " إنه على رجعه لقادر " ، يكون العامل في " يوم " فعل مضمر ، ولا يعمل فيه " لقادر " ؛ لأن المراد في الدنيا . و " تبلى " أي تمتحن وتختبر . وقال أبو الغول الطهوي{[15943]} :

ولا تَبْلَى بَسَالَتُهُم وإن هُمْ *** صَلُوا بالحَرْبِ حينًا بعد حِينِ

ويروى تبلى بسالتهم . فمن رواه " تبلى " - بضم التاء - جعله من الاختبار ، وتكون البسالة على هذه الرواية الكراهة ، كأنه قال : لا يعرف لهم فيها كراهة . و " تبلى " تعرف . وقال الراجز :

قد كنتَ قبلَ اليومِ تَزْدَرِينِي *** فاليومَ أبلُوكَ وتَبْتَلِينِي

أي أعرفك وتعرفني . ومن رواه " تبلى " - بفتح التاء - فالمعنى : أنهم لا يضعفون عن الحرب وإن تكررت عليهم زمانا بعد زمان . وذلك أن الأمور الشداد إذا تكررت على الإنسان هدته وأضعفته . وقيل : " تبلى السرائر " : أي تخرج مخبآتها وتظهر ، وهو كل ما كان استسره الإنسان من خير أو شر ، وأضمره من إيمان أو كفر ، كما قال الأحوص :

سيبقَى{[15944]} لها في مُضْمَرِ القلبِ والحَشَا *** سريرة ودّ يوم تُبْلَى السرائرُ

الثانية- روي عن النبي صلى اللّه عليه وسلم أنه قال : ( ائتمن اللّه تعالى خلقه على أربع : على الصلاة ، والصوم ، والزكاة ، والغسل ، وهي السرائر التي يختبرها اللّه عز وجل يوم القيامة ) . ذكره المهدوي . وقال ابن عمر قال النبي صلى اللّه عليه وسلم : ( ثلاث من حافظ عليها فهو ولي اللّه حقا ، ومن اختانهن فهو عدو اللّه حقا : الصلاة ، والصوم ، والغسل من الجنابة ) ذكره الثعلبي . وذكر الماوردي عن زيد ابن أسلم : قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم : ( الأمانة ثلاث : الصلاة والصوم ، والجنابة . استأمن اللّه عز وجل ابن آدم على الصلاة ، فإن شاء قال صليت ولم يصل . استأمن اللّه عز وجل ابن آدم على الصوم ، فإن شاء قال صمت ولم يصم . استأمن اللّه عز وجل ابن آدم على الجنابة ، فإن شاء قال اغتسلت ولم يغتسل ، اقرؤوا إن شئتم " يوم تبلى السرائر " ) ، وذكره الثعلبي عن عطاء . وقال مالك في رواية أشهب عنه ، وسألته عن قوله تعالى : " يوم تبلى السرائر " : أبلغك أن الوضوء من السرائر ؟ قال : قد بلغني ذلك فيما يقول الناس ، فأما حديث أحدث{[15945]} به فلا . والصلاة من السرائر ، والصيام من السرائر ، إن شاء قال صليت ولم يصل . ومن السرائر ما في القلوب ، يجزي اللّه به العباد . قال ابن العربي : قال ابن مسعود يغفر للشهيد إلا الأمانة ، والوضوء من الأمانة ، والصلاة والزكاة من الأمانة ، والوديعة من الأمانة ، وأشد ذلك الوديعة ، تمثل له على هيئتها يوم أخذها ، فيرمي بها في قعر جهنم ، فيقال له : أخرجها ، فيتبعها فيجعلها في عنقه ، فإذا رجا أن يخرج بها زلت منه ، فيتبعها ، فهو كذلك دهر الداهرين . وقال أبي بن كعب : من الأمانة أن ائتمنت المرأة على فرجها . قال أشهب : قال لي سفيان : في الحيضة والحمل ، إن قالت لم أحض وأنا حامل صدقت ، ما لم تأت بما يعرف فيه أنها كاذبة . وفي الحديث : [ غسل الجنابة من الأمانة ] . وقال ابن عمر : يبدي اللّه يوم القيامة كل سر خفي ، فيكون زينا في الوجوه ، وشينا في الوجوه . واللّه عالم بكل شيء ، ولكن يظهر علامات الملائكة والمؤمنين .


[15943]:هو شاعر إسلامي، منسوب إلى "طهية"، بضم الطاء، وهي أم قبيلة من العرب.
[15944]:كذا ورد في بعض نسخ الأصل و (وخزانة الأدب جـ 1 ص 322) وفي بعض نسخ الأصل، والشعر والشعراء، و (كتاب الأغاني ج، 4 ص 242 طبع دار الكتب المصرية): "ستبلى لكم . . . ".
[15945]:في ابن العربي: "أخذته".
 
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي [إخفاء]  
{يَوۡمَ تُبۡلَى ٱلسَّرَآئِرُ} (9)

ولما كان هذا يحرك السامع غاية التحريك لأن يقول : متى تكون رجعه له ؟ قال مجيباً له : { يوم تبلى } وبناه{[72703]} للمفعول إشارة مع التنبيه على السهولة إلى أن-{[72704]} من{[72705]} الأمر البين غاية البيان أن الذي يبلوها{[72706]} هو الذي يرجعها ، وهو الله سبحانه وتعالى من غير احتياج إلى ذكره{[72707]} { السرائر * } أي كل ما انطوت عليه الصدور من العقائد والنيات ، و{[72708]}أخفته الجوارح من الإخلال{[72709]} بالوضوء والغسل ونحو ذلك من جميع الجنايات ، بأن تخالط السرائر في ذلك اليوم ، وهو يوم القيامة ، من الأمور الهائلة ما يميلها{[72710]} فيحيلها عما هي عليه فتعود جهراً{[72711]} بعد أن كانت سراً ، فيميز طيبها من خبيثها ويجازى عليه صاحبه .


[72703]:زيد في الأصل و ظ: بين، ولم تكن الزيادة في م فحذفناها.
[72704]:زيد من ظ و م.
[72705]:زيد في الأصل و ظ: بين، ولم تكن الزيادة في م فحذفناها.
[72706]:من ظ و م، وفي الأصل: يتلوها.
[72707]:من م، وفي الأصل و ظ: ذكر.
[72708]:من ظ و م، وفي الأصل: ثم.
[72709]:من ظ و م، وفي الأصل: الأخلاط.
[72710]:من ظ و م، وفي الأصل: يجبها.
[72711]:زيد في الأصل: وعلانية، ولم تكن الزيادة في ظ و م فحذفناها.