اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{يَوۡمَ تُبۡلَى ٱلسَّرَآئِرُ} (9)

قوله : { يَوْمَ تبلى السرآئر } . فيه أوجه ، وقد رتبها أبو البقاءِ على الخلاف في الضمير ، فقال{[59845]} : على القول بكون الضمير للإنسان ، فيه أوجه :

أحدها : أنه معمول ل «قادر » .

إلاَّ أنَّ ابن عطية قال{[59846]} - بعد أن حكى أوجهاً عن النحاة - : «وكل هذه الفرق فرَّت من أن يكون العامل «لقادر » ، لئلاَّ يظهر من ذلك تخصيص القدرة في ذلك اليوم وحدهُ » .

ثم قال : «وإذا تؤمل المعنى وما يقتضيه فصيح كلام العرب جاز أن يكون العامل «لقادر » ، وذلك أنه قال : «إنَّه على رجعهِ لقادرٌ » ؛ لأنه إذا قدر على ذلك في هذا الوقت كان في غيره أقدر بطريق الأولى .

الثاني : أن يكون العامل مضمر على التبيين ، أي : يرجعه يوم تبلى .

الثالث : تقديره : اذكر ، فيكون مفعولاً به ، وعلى عوده على الماء يكون العامل فيه : اذكر » انتهى ملخصاً .

وجوَّز بعضهم أن يكون العامل فيه «نَاصِرٍ » ، وهو فاسد ؛ لأن ما بعد «ما » النافية وما بعد الفاء لا يعمل فيما قبلهما .

وقيل : العامل «رَجْعِهِ » وهو فاسدٌ ؛ لأنه قد فصل بين المصدر ومعموله بأجنبي ، وهو خبر «إنَّ » . وبعضهم يقتصره في الظرف .

قوله : «تُبلَى » تختبر وتعرف ؛ قال الراجز : [ الرجز ]

5169- قَدْ كُنْتَ قَبْلَ اليَوْم تَزْدَرينِي *** فاليَومَ أبْلُوكَ وتَبْتَلِينِي{[59847]}

أي : أعرفك وتعرفني .

وقيل : { تبلى السرآئر } تخرج من مخبآتها وتظهر ، وهو كل ما استسرّه الإنسان من خير ، أو شر ، وأضمره من إيمان ، أو كفر .

قال ابن الخطيب{[59848]} : والسرائرُ : ما أسر في القلوب ، والمراد هنا : عرض الأعمال ، ونشر الصحف ، أو المعنى : اختبارها ، وتمييز الحسن منها من القبيح لترتيب الثواب والعقاب .

وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «ائْتَمَنَ اللهُ - تعَالَى - خَلقهُ على أرْبَع : الصَّلاةِ ، والزَّكاةِ والصِّيام ، والغُسْلِ ، وهُنَّ السَّرائِرُ الَّتي يَختبِرُهَا اللهُ - عزَّ وجلَّ - يَوْمَ القِيَامَةِ »{[59849]} ذكره المهدوي .

وروى الماورديُّ عن زيدٍ بن أسلم ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «الأمَانَةُ ثلاثٌ : الصَّلاةُ ، والصَّومُ ، والجنَابةُ ، اسْتأمَنَ اللهُ - تعالى - ابْنَ آدمَ على الصَّلاةِ ، فإن شاء قال : صلَّيْتُ ، ولمْ يُصَلِّ ، واسْتأمنَ اللهُ تعالى ابْنَ آدَم على الصَّوم ، فإنْ شَاءَ قَالَ : [ صُمْتُ ولَمْ يَصُمْ واسْتَأمنَ اللهُ تعالى ابْن آدمَ على الجَنابةِ فإنْ شَاءَ قَال : ] {[59850]} اغْتسَلت ولمْ يَغْتسِلْ ، اقْرَأوا إن شِئْتُم : { يَوْمَ تبلى السرآئر }{[59851]} .

[ وقال مالك - رضي الله عنه - : الوضوء من السرائر ، والسرائر ما في القلوب يجزي الله به العباد ]{[59852]} .

وقال ابن العربيِّ : قال ابن مسعود - رضي الله عنه - : يغفر للشهيد إلاَّ الأمانة ، والوضوء من الأمانة ، والصلاة والزكاة من الأمانة ، والوديعة من الأمانة ، وأشد ذلك الوديعة ، تمثل له على هيئتها يوم أخذها ، فيرمى بها في قعر جهنم ، فيقال له : أخرجها ، فيتبعها ، فيجعلها في عنقه ، وإذا أراد أن يخرج بها زلت ، فيتبعها ، فيجعلها في عنقه ، فهو كذلك دهر الداهرين{[59853]} .

وقال أبي بن كعب : من الأمانة أن ائتمنت المرآة على فرجها{[59854]} .

وقال سفيان : الحيضة والحمل من الأمانة ، إن قالت : لم أحضْ وأنا حامل صدقت ما لم يأت ما يعرف فيه أنها كاذبة{[59855]} .


[59845]:ينظر: الإملاء 2/285.
[59846]:المحرر الوجيز 5/466.
[59847]:ينظر القرطبي 20/7.
[59848]:ينظر: الفخر الرازي 31/119.
[59849]:ذكره السيوطي في "الدر المنثور" (6/561)، وعزاه إلى البيهقي في "شعب الإيمان" عن أبي الدرداء مرفوعا.
[59850]:سقط من ب.
[59851]:ينظر: تفسير القرطبي (20/8)، وعزاه إلى الثعلبي.
[59852]:سقط من: ب.
[59853]:ينظر: تفسير القرطبي (20/8)، وعزاه إلى الثعلبي.
[59854]:ينظر : المصدر السابق.
[59855]:ينظر: المصدر السابق.