قوله : { يَوْمَ تبلى السرآئر } . فيه أوجه ، وقد رتبها أبو البقاءِ على الخلاف في الضمير ، فقال{[59845]} : على القول بكون الضمير للإنسان ، فيه أوجه :
إلاَّ أنَّ ابن عطية قال{[59846]} - بعد أن حكى أوجهاً عن النحاة - : «وكل هذه الفرق فرَّت من أن يكون العامل «لقادر » ، لئلاَّ يظهر من ذلك تخصيص القدرة في ذلك اليوم وحدهُ » .
ثم قال : «وإذا تؤمل المعنى وما يقتضيه فصيح كلام العرب جاز أن يكون العامل «لقادر » ، وذلك أنه قال : «إنَّه على رجعهِ لقادرٌ » ؛ لأنه إذا قدر على ذلك في هذا الوقت كان في غيره أقدر بطريق الأولى .
الثاني : أن يكون العامل مضمر على التبيين ، أي : يرجعه يوم تبلى .
الثالث : تقديره : اذكر ، فيكون مفعولاً به ، وعلى عوده على الماء يكون العامل فيه : اذكر » انتهى ملخصاً .
وجوَّز بعضهم أن يكون العامل فيه «نَاصِرٍ » ، وهو فاسد ؛ لأن ما بعد «ما » النافية وما بعد الفاء لا يعمل فيما قبلهما .
وقيل : العامل «رَجْعِهِ » وهو فاسدٌ ؛ لأنه قد فصل بين المصدر ومعموله بأجنبي ، وهو خبر «إنَّ » . وبعضهم يقتصره في الظرف .
قوله : «تُبلَى » تختبر وتعرف ؛ قال الراجز : [ الرجز ]
5169- قَدْ كُنْتَ قَبْلَ اليَوْم تَزْدَرينِي *** فاليَومَ أبْلُوكَ وتَبْتَلِينِي{[59847]}
وقيل : { تبلى السرآئر } تخرج من مخبآتها وتظهر ، وهو كل ما استسرّه الإنسان من خير ، أو شر ، وأضمره من إيمان ، أو كفر .
قال ابن الخطيب{[59848]} : والسرائرُ : ما أسر في القلوب ، والمراد هنا : عرض الأعمال ، ونشر الصحف ، أو المعنى : اختبارها ، وتمييز الحسن منها من القبيح لترتيب الثواب والعقاب .
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «ائْتَمَنَ اللهُ - تعَالَى - خَلقهُ على أرْبَع : الصَّلاةِ ، والزَّكاةِ والصِّيام ، والغُسْلِ ، وهُنَّ السَّرائِرُ الَّتي يَختبِرُهَا اللهُ - عزَّ وجلَّ - يَوْمَ القِيَامَةِ »{[59849]} ذكره المهدوي .
وروى الماورديُّ عن زيدٍ بن أسلم ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «الأمَانَةُ ثلاثٌ : الصَّلاةُ ، والصَّومُ ، والجنَابةُ ، اسْتأمَنَ اللهُ - تعالى - ابْنَ آدمَ على الصَّلاةِ ، فإن شاء قال : صلَّيْتُ ، ولمْ يُصَلِّ ، واسْتأمنَ اللهُ تعالى ابْنَ آدَم على الصَّوم ، فإنْ شَاءَ قَالَ : [ صُمْتُ ولَمْ يَصُمْ واسْتَأمنَ اللهُ تعالى ابْن آدمَ على الجَنابةِ فإنْ شَاءَ قَال : ] {[59850]} اغْتسَلت ولمْ يَغْتسِلْ ، اقْرَأوا إن شِئْتُم : { يَوْمَ تبلى السرآئر }{[59851]} .
[ وقال مالك - رضي الله عنه - : الوضوء من السرائر ، والسرائر ما في القلوب يجزي الله به العباد ]{[59852]} .
وقال ابن العربيِّ : قال ابن مسعود - رضي الله عنه - : يغفر للشهيد إلاَّ الأمانة ، والوضوء من الأمانة ، والصلاة والزكاة من الأمانة ، والوديعة من الأمانة ، وأشد ذلك الوديعة ، تمثل له على هيئتها يوم أخذها ، فيرمى بها في قعر جهنم ، فيقال له : أخرجها ، فيتبعها ، فيجعلها في عنقه ، وإذا أراد أن يخرج بها زلت ، فيتبعها ، فيجعلها في عنقه ، فهو كذلك دهر الداهرين{[59853]} .
وقال أبي بن كعب : من الأمانة أن ائتمنت المرآة على فرجها{[59854]} .
وقال سفيان : الحيضة والحمل من الأمانة ، إن قالت : لم أحضْ وأنا حامل صدقت ما لم يأت ما يعرف فيه أنها كاذبة{[59855]} .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.