( فأقبلت امرأته في صرة فصكت وجهها . وقالت : عجوز عقيم ) . . وقد سمعت البشرى ، فبغتت وفوجئت ، فندت منها صيحة الدهش ، وعلى عادة النساء ضربت خديها بكفيها . وقالت : عجوز عقيم . تنبئ عن دهشتها لهذه البشرى وهي عجوز . وقد كانت من الأصل عقيما . وقد أخذتها المفاجأة العنيفة التي لم تكن تتوقعها أبدا ، فنسيت أن البشرى تحملها الملائكة ! عندئذ ردها المرسلون إلى الحقيقة الأولى . حقيقة القدرة التي لا يقيدها
{ فأقبلت امرأته في صرَّة } : أي في رنّة وصيحة .
{ فصكت وجهها } : أي لطمت وجهها أي ضربت بأصابعها جبينها متعجبة .
{ وقالت عجوز عقيم } : أي كبيرة السن وعقيم لم يولد لها قط .
وقوله { فأقبلت امرأته في صرة } أخذت في رنّة لما سمعت البشرى فصكت أي لطمت وجهها بأصابع يدها متعجبة وهي تقول أألد وأنا عجوز وهذا بعلي شيخا إنّ هذا لشيء عجيب إذ كان عمرها تجاوز التسعين وعمر إبراهيم تجاوز المئة وكان عقيما لا تلد قط فلذا قالت عجوز كيف ألد يا للعجب ؟
قوله تعالى : { فأوجس منهم خيفة قالوا لا تخف وبشروه بغلام عليهم فأقبلت امرأته في صرة } أي : صيحة ، قيل : لم يكن ذلك إقبالاً من مكان إلى مكان ، وإنما هو كقول القائل : أقبل يشتمني أخذ بمعنى أخذ في شتمي ، أي أخذت تولول كما قال الله تعالى : { قالت يا ويلتى }( هود-72 ) ، { فصكت وجهها } قال ابن عباس : لطمت وجهها . وقال الآخرون : جمعت أصابعها فضرت جبينها تعجباً ، كعادة النساء إذا أنكرن شيئاً ، وأصل الصك : ضرب الشيء بالشيء العريض . { وقالت عجوز عقيم } مجازه : أتلد عجوز عقيم ؟ وكانت سارة لم تلد قبل ذلك .
قوله تعالى : " فأقبلت امرأته في صرة " أي في صيحة وضجة ، عن ابن عباس وغيره . ومنه أخذ صرير الباب وهو صوته . وقال عكرمة وقتادة : إنها الرنة والتأوه ولم يكن هذا الإقبال من مكان إلى مكان . قال الفراء : وإنما هو كقولك أقبل يشتمني أي أخذ في شتمي . وقيل : أقبلت في صرة أي في جماعة من النساء{[14235]} تسمع كلام الملائكة . قال الجوهري : الصرة الضجة والصيحة ، والصرة الجماعة ، والصرة الشدة من كرب وغيره ، قال امرؤ القيس :
فَأَلْحَقَه بالهَادِيات ودونَه *** جَوَاحِرُها في صَرَّةٍ لم تَزَيَّلِ{[14236]}
يحتمل هذا البيت الوجوه الثلاثة . وصرة القيظ شدة حره . فلما سمعت سارة البشارة صكت وجهها ، أي ضربت يدها على وجهها على عادة النسوان عند التعجب ، قاله سفيان الثوري وغيره . وقال ابن عباس : صكت وجهها لطمته . وأصل الصك الضرب ، صكه أي ضربه ، قال الراجز{[14237]} :
يا كَرَواناً صُكَّ فاكْبَأَنَّا
قال الأموي : كَبَن الظبي إذا لطأ بالأرض ، واكبأن انقبض . " وقالت عجوز عقيم " أي أتلد عجوز عقيم . الزجاج : أي قالت أنا عجوز عقيم فكيف ألد كما قالت : " يا ويلتا أألد وأنا عجوز{[14238]} " [ هود :72 ]
ولما كانا بعيدين عن قبول الولد ، تسبب عن ذلك قوله ، دالاًّ على أن الولد إسحاق مع الدلالة على أن خفاء الأسباب لا يؤثر في وجود{[61383]} المسببات : { فأقبلت } أي من{[61384]} سماع هذا الكلام { امرأته } ولما كانت قد امتلأت عجباً ، عبر بالظرف فقال : { في صرة } أي صيحة وكرب من الصرير قد أحاط بها ، فذهب وهمهما في{[61385]} ذلك كل مذهب { فصكت } أي ضربت بسبب تعجبها بأطراف أناملها فعل المتعجب { وجهها } لتلاشي أسباب الولد في علمها بسبب العادة مع معرفتها بأن العبرة في الأسباب وإن كانت سليمة بالمسبب لا بها ، قال البغوي{[61386]} : وأصل الصك ضرب الشيء بالشيء العريض { وقالت } تريد أن تستبين الأمر هل الولد منها أم من غيرها : { عجوز } ومع العجز { عقيم * } فهي في حال شبابها لم تكن تقبل الحبل ، قال القشيري رحمه الله تعالى : قيل : إنها كانت يومئذ ابنة ثمان وتسعين سنة .