في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{ٱللَّهُ ٱلَّذِي جَعَلَ لَكُمُ ٱلۡأَرۡضَ قَرَارٗا وَٱلسَّمَآءَ بِنَآءٗ وَصَوَّرَكُمۡ فَأَحۡسَنَ صُوَرَكُمۡ وَرَزَقَكُم مِّنَ ٱلطَّيِّبَٰتِۚ ذَٰلِكُمُ ٱللَّهُ رَبُّكُمۡۖ فَتَبَارَكَ ٱللَّهُ رَبُّ ٱلۡعَٰلَمِينَ} (64)

56

وينتقل من ظاهرتي الليل والنهار ، إلى تصميم الأرض لتكون قراراً ، والسماء لتكون بناء :

( الله الذي جعل لكم الأرض قراراً والسماء بناء ) . .

والأرض قرار صالح لحياة الإنسان بتلك الموافقات الكثيرة التي أشرنا إلى بعضها إجمالاً . والسماء بناء ثابت النسب والأبعاد والحركات والدورات ومن ثم تضمن الاستقرار والثبات لحياة هذا الإنسان ، المحسوب حسابها في تصميم هذا الوجود ، المقدرة في بنائه تقديراً . .

ويربط بتكوين السماء والأرض تكوين الإنسان ورزقه من الطيبات على النحو الذي أشرنا إلى بعض أسراره :

( وصوركم فأحسن صوركم ورزقكم من الطيبات ) . .

ويعقب على هذه الآيات والهبات كما عقب على الأولى :

( ذلكم الله ربكم . فتبارك الله رب العالمين ) . .

ذلكم الذي يخلق ويقدر ويدبر ، ويراعيكم ويقدر لكم مكاناً في ملكه . . ذلكم الله ربكم . ( فتبارك الله ) . . وعظمت بركته وتضاعفت . ( رب العالمين ) . . أجمعين .

 
صفوة البيان لحسين مخلوف - حسنين مخلوف [إخفاء]  
{ٱللَّهُ ٱلَّذِي جَعَلَ لَكُمُ ٱلۡأَرۡضَ قَرَارٗا وَٱلسَّمَآءَ بِنَآءٗ وَصَوَّرَكُمۡ فَأَحۡسَنَ صُوَرَكُمۡ وَرَزَقَكُم مِّنَ ٱلطَّيِّبَٰتِۚ ذَٰلِكُمُ ٱللَّهُ رَبُّكُمۡۖ فَتَبَارَكَ ٱللَّهُ رَبُّ ٱلۡعَٰلَمِينَ} (64)

{ والسماء بناء } كالقبة المضروبة على الأرض من غير عمد ولا حامل . ويطلق البناء على ما يقيمه العرب من القباب للسكنى ؛ وإطلاقه على السماء على سبيل التشبيه البليغ .

{ فتبارك الله } تعالى بذاته وتعظم . أو كثر خيره وإحسانه .

 
تيسير التفسير لإبراهيم القطان - إبراهيم القطان [إخفاء]  
{ٱللَّهُ ٱلَّذِي جَعَلَ لَكُمُ ٱلۡأَرۡضَ قَرَارٗا وَٱلسَّمَآءَ بِنَآءٗ وَصَوَّرَكُمۡ فَأَحۡسَنَ صُوَرَكُمۡ وَرَزَقَكُم مِّنَ ٱلطَّيِّبَٰتِۚ ذَٰلِكُمُ ٱللَّهُ رَبُّكُمۡۖ فَتَبَارَكَ ٱللَّهُ رَبُّ ٱلۡعَٰلَمِينَ} (64)

قرارا : مستقرا تستقرون عليها .

بناء : مبنية بنظام لا يختل .

فتبارك : فتقدّس وتنزه .

في هذه الآيات يؤكد الله تعالى حقيقة الوحدانية ، كما يؤكد على حقيقة ألوهيته وربوبيته . فالله وحده هو الذي جعل لنا هذه الأرض لنستقر عليها ، وجعل السماء بناءً محفوظا زيّنه بهذه النجوم والكواكب التي نراها . ولقد خلقَ الإنسان فأبدع تصويره ، وجعله في أحسن تقويم { وَرَزَقَكُمْ مِّنَ الطيبات } المباحةِ ما يلذّ لكم ، { فَتَبَارَكَ الله رَبُّ العالمين } ، الذي يخلق ويقدّر ويدبّر .

 
الجامع لأحكام القرآن للقرطبي - القرطبي [إخفاء]  
{ٱللَّهُ ٱلَّذِي جَعَلَ لَكُمُ ٱلۡأَرۡضَ قَرَارٗا وَٱلسَّمَآءَ بِنَآءٗ وَصَوَّرَكُمۡ فَأَحۡسَنَ صُوَرَكُمۡ وَرَزَقَكُم مِّنَ ٱلطَّيِّبَٰتِۚ ذَٰلِكُمُ ٱللَّهُ رَبُّكُمۡۖ فَتَبَارَكَ ٱللَّهُ رَبُّ ٱلۡعَٰلَمِينَ} (64)

قوله تعالى : " الله الذي جعل لكم الأرض قرارا " زاد في تأكيد التعريف والدليل ؛ أي جعل لكم الأرض مستقرا لكم في حياتكم وبعد الموت . " والسماء بناء " تقدم{[13390]} . " وصوركم فأحسن صوركم " أي خلقكم في أحسن صورة . وقرأ أبو رزين والأشهب العقيلي " صوركم " بكسر الصاد . قال الجوهري : والصور بكسر الصاد لغة في الصور جمع صورة ، وينشد هذا البيت على هذه اللغة يصف الجواري قائلا :

أشبَهْنَ من بقر الخَلْصَاءِ أعيُنَهَا *** وهنَّ أحسنُ من صِيرَانِهَا صِوَرَا

والصيران جمع صوار وهو القطيع من البقر والصوار أيضا وعاء المسك{[13391]} وقد جمعهما الشاعر :

إذا لاحَ الصّوارُ ذكرتُ ليلَى *** وأذكُرُهَا إذا نفخَ الصّوَارُ

والصيار لغة فيه . " ورزقكم من الطيبات ذلكم الله ربكم فتبارك الله رب العالمين " تقدم{[13392]} .


[13390]:راجع ج 1 ص 229 طبعة ثانية أو ثالثة.
[13391]:الزيادة من الصحاح للجوهري لا يتم الكلام إلا بها.
[13392]:راجع ج 7 ص 223 طبعة أولى أو ثانية. و ج 1 ص 136 طبعة ثانية أو ثالثة.
 
التسهيل لعلوم التنزيل، لابن جزي - ابن جزي [إخفاء]  
{ٱللَّهُ ٱلَّذِي جَعَلَ لَكُمُ ٱلۡأَرۡضَ قَرَارٗا وَٱلسَّمَآءَ بِنَآءٗ وَصَوَّرَكُمۡ فَأَحۡسَنَ صُوَرَكُمۡ وَرَزَقَكُم مِّنَ ٱلطَّيِّبَٰتِۚ ذَٰلِكُمُ ٱللَّهُ رَبُّكُمۡۖ فَتَبَارَكَ ٱللَّهُ رَبُّ ٱلۡعَٰلَمِينَ} (64)

{ ورزقكم من الطيبات } يعني : المستلذات لأنه إذا جاء ذكر الطيبات في معرض الإنعام فيراد به المستلذات وإذا جاء في معرض التحليل والتحريم فيراد به الحلال والحرام .

 
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي [إخفاء]  
{ٱللَّهُ ٱلَّذِي جَعَلَ لَكُمُ ٱلۡأَرۡضَ قَرَارٗا وَٱلسَّمَآءَ بِنَآءٗ وَصَوَّرَكُمۡ فَأَحۡسَنَ صُوَرَكُمۡ وَرَزَقَكُم مِّنَ ٱلطَّيِّبَٰتِۚ ذَٰلِكُمُ ٱللَّهُ رَبُّكُمۡۖ فَتَبَارَكَ ٱللَّهُ رَبُّ ٱلۡعَٰلَمِينَ} (64)

ولما تقرر أنه سبحانه ربنا وحده ، وأن مدعي ربوبية ما سواه معاند ، لأنه سبحانه متميز بأفعاله التي لا يشاركه فيها أحد ، دل على ذلك بوجه مركوز في الطبائع صحته ، واضح في العقول معرفته ، كالمعلل لتسمية هذا الإنكار جحوداً ، فقال دالاً بالخافقين بعد الدلالة بما نشأ عنهما من الملوين ، وأخر هذا لأنه مع كونه أجلى سبب بقرارية الأرض وفلكية السماء لذاك ، بما حصل فيه من الاختلاف ، فقال : { الله } أي الذي له الإحاطة الكاملة بكل شيء { الذي جعل } أي وحده { لكم الأرض } أي مع كونها فراشاً ممهداً { قراراً } مع كونها في غاية الثقل ، ولا ممسك لها سوى قدرته { والسماء } على علوها وسعتها مع كونها افلاكاً دائرة بنجوم طول الزمان سائرة ، ينشأ عنها الليل والنهار والإظلام والإبصار { بناء } مظلة كالقبة من غير عماد حامل ، ومن المعلوم لكل ذي عقل أن الأجسام الثقيلة تقتضي بطبعها تراص بعضها على بعض ، فلا يمنع بعضها من السقوط على بعض إلا بقوة وقسر ، فالآية من الاحتباك : ذكر القرار أولاً دليلاً على الدوران ثانياً ، والبناء ثانياً دليلاً على الفراش أولاً .

ولما ذكر المسكن ذكر الساكن دالاً على أنه الفاعل في الكل باختياره وتمام قدرته بتصويره الإنسان بصورة لا يشبهها صورة شيء من الحيوانات ، وفاوت بين أفراده في هيئة تلك الصورة على أنحاء لا تكاد تنضبط في نفسها ، ولا تشبه واحدة منها الأخرى ، ولا في الخافقين شيء يشبهها محال تصويرها عليه فقال : { وصوركم } والتصوير على غير نظام واحد لا يكون بقدرة قادر تام القدرة مختار لا كما يقول أهل الطبائع { فأحسن صوركم } على أشكال وأحوال مع أنها أحسن الصور ليس في الوجود ما يشبهها ، وليس فيها صورة تشبه الأخرى لتسندوا انطباع تصويرها إليه ، فثبت قطعاً أنه هو المصور سبحانه على غير مثال كما أنه الذي أبدع الموجود كله كذلك .

ولما ذكر المسكن والساكن ، ذكر ما يحتاج إليه في مدة السكن فقال : { ورزقكم من الطيبات } الشهية الملائمة للطبائع النافعة على وجه لا احتياج معه بوجه ، فلا دليل أدل على تمام العلم وشمول القدرة ووجود الاختيار من هذا التدبير في حفظ المسكن والسقف وتدبير ما به البقاء على وجه يكفي الساكن من جميع الوجوه على مر السنين وتعاقب الأزمان ، وتبث من الساكن - مع أنه قطعة يسيرة جداً من أديم الأرض - أنسالاً شعبهم شعباً فرعها إلى فروع لا تسعها الأرض ، فدبر بحكمته وسعة علمه وقدرته تدبيراً وسع لهم به الأرض ، وعمهم به الرزق ، كما روى الإمام أحمد في كتاب الزهد عن الحسن أنه قال : لما خلق الله آدم عليه الصلاة والسلام وذريته قالت الملائكة عليهم السلام : إن الأرض لا تسعهم ، قال : فإني جاعل موتاً ، قالوا : إذا لا يهنأهم العيش ، قال : فإني جاعل أملاً .

ولما دل هذا قطعاً على التفرد ، قال على وجه الإنتاج : { ذلكم } أي الرفيع الدرجات { الله } أي المالك لجميع الملك ، ودلهم على ما مضى بتربيتهم وما فيها من بديع الصنائع فقال : { ربكم } أي لا غيره ، ولما أفاد هذا الدليل تربية لا مثل لها ، دالة على إحاطة العلم وتمام القدرة على وجه لا حاجة معه مع حسنه وثباته تسبب عنه ولا بد قوله : { فتبارك } أي ثبت ثباتاً عظيماً مع اليمن والخير وحسن المدد والفيض { الله } أي المختص بالكمال ، ورقى الخطاب وعظم إيضاحاً للدلالة فقال : { رب العالمين * } كلهم أنتم وغيركم ،