في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{كَلَّاۖ لَيُنۢبَذَنَّ فِي ٱلۡحُطَمَةِ} (4)

سورة الهمزة مكية وآياتها تسع

تعكس هذه السورة صورة من الصور الواقعية في حياة الدعوة في عهدها الأول . وهي في الوقت ذاته نموذج يتكرر في كل بيئة . . صورة اللئيم الصغير النفس ، الذي يؤتى المال فتسيطر نفسه به ، حتى ما يطيق نفسه ! ويروح يشعر أن المال هو القيمة العليا في الحياة . القيمة التي تهون أمامها جميع القيم وجميع الأقدار : أقدار الناس . وأقدار المعاني . وأقدار الحقائق . وأنه وقد ملك المال فقد ملك كرامات الناس وأقدارهم بلا حساب !

كما يروح يحسب أن هذا المال إله قادر على كل شيء ؛ لا يعجز عن فعل شيء ! حتى دفع الموت وتخليد الحياة . ودفع قضاء الله وحسابه وجزائه إن كان هناك في نظره حساب وجزاء !

ومن ثم ينطلق في هوس بهذا المال يعده ويستلذ تعداده ؛ وتنطلق في كيانه نفخة فاجرة ، تدفعه إلى الاستهانة بأقدار الناس وكراماتهم . ولمزهم وهمزهم . . يعيبهم بلسانه ويسخر منهم بحركاته . سواء بحكاية حركاتهم وأصواتهم ، أو بتحقير صفاتهم وسماتهم . . بالقول والإشارة . بالغمز واللمز . باللفتة الساخرة والحركة الهازئة !

وهي صورة لئيمة حقيرة من صور النفس البشرية حين تخلو من المروءة وتعرى من الإيمان . والإسلام يكره هذه الصورة الهابطة من صور النفوس بحكم ترفعه الأخلاقي . وقد نهى عن السخرية واللمز والعيب في مواضع شتى . إلا أن ذكرها هنا بهذا التشنيع والتقبيح مع الوعيد والتهديد ، يوحي بأنه كان يواجه حالة واقعية من بعض المشركين تجاه رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] وتجاه المؤمنين . . فجاء الرد عليها في صورة الردع الشديد ، والتهديد الرعيب . وقد وردت روايات بتعيين بعض الشخصيات . ولكنها ليست وثيقة . فنكتفي نحن بما قررناه عنها . .

والتهديد يجيء في صورة مشهد من مشاهد القيامة يمثل صورة للعذاب مادية ونفسية ، وصورة للنار حسية ومعنوية . وقد لوحظ فيها التقابل بين الجرم وطريقة الجزاء وجو العقاب . فصورة الهمزة اللمزة ، الذي يدأب على الهزء بالناس وعلى لمزهم في أنفسهم وأعراضهم ، وهو يجمع المال فيظنه كفيلا بالخلود ! صورة هذا المتعالي الساخر المستقوي بالمال ، تقابلها صورة " المنبوذ " المهمل المتردي في( الحطمة )التي تحطم كل ما يلقى إليها ، فتحطم كيانه وكبرياءه . وهي( نار الله الموقدة )وإضافتها لله وتخصيصها هكذا يوحي بأنها نار فذة ، غير معهودة ، ويخلع عليها رهبة مفزعة رعيبة .

وهي( تطلع )على فؤاده الذي ينبعث منه الهمز واللمز ، وتكمن فيه السخرية والكبرياء والغرور . . وتكملة لصورة المحطم المنبوذ المهمل . . هذه النار مغلقة عليه ، لا ينقذه منها أحد ، ولا يسأل عنه فيها أحد ! وهو موثق فيها إلى عمود كما توثق البهائم بلا احترام ! وفي جرس الألفاظ تشديد : عدده . كلا . لينبذن . تطلع . ممددة وفي معاني العبارات توكيد بشتى أساليب التوكيد : ( لينبذن في الحطمة . وما أدراك ما الحطمة ? نار الله الموقدة . . )فهذا الإجمال والإبهام . ثم سؤال الاستهوال . ثم الإجابة والبيان . . كلها من أساليب التوكيد والتضخيم . . وفي التعبير تهديد ( ويل . لينبذن . الحطمة . . . نار الله الموقدة . التي تطلع على الأفئدة . إنها عليهم مؤصدة . في عمد ممددة ) . .

وفي ذلك كله لون من التناسق التصويري والشعوري يتفق مع فعلة( الهمزة اللمزة ) !

لقد كان القرآن يتابع أحداث الدعوة ويقودها في الوقت ذاته . وكان هو السلاح البتار الصاعق الذي يدمر كيد الكائدين ، ويزلزل قلوب الأعداء ويثبت أرواح المؤمنين .

وإنا لنرى في عناية الله سبحانه بالرد على هذه الصورة معنيين كبيرين :

الأول : تقبيح الهبوط الأخلاقي وتبشيع هذه الصورة الهابطة من النفوس .

والثاني : المنافحة عن المؤمنين وحفظ نفوسهم من أن تتسرب إليها مهانة الإهانة ، وإشعارهم بأن الله يرى ما يقع لهم ، ويكرهه ، ويعاقب عليه . . وفي هذا كفاية لرفع أرواحهم واستعلائها على الكيد اللئيم . . .

 
صفوة البيان لحسين مخلوف - حسنين مخلوف [إخفاء]  
{كَلَّاۖ لَيُنۢبَذَنَّ فِي ٱلۡحُطَمَةِ} (4)

{ كلا } ردع له عن هذا الحسبان الباطل ، أو عن كل ما تضمنته الآيات السابقة من الصفات القبيحة . { لينبدن في الحطمة } جواب قسم محذوف ، أي والله ليطرحن بسبب أفعاله الفاسدة في النار التي تحطم كل ما يلقى فيها ؛ من الحطم ، وهو كسر الشيء كالهشم . وفسرت بقوله تعالى : { نار الله الموقدة }

 
تيسير التفسير لإبراهيم القطان - إبراهيم القطان [إخفاء]  
{كَلَّاۖ لَيُنۢبَذَنَّ فِي ٱلۡحُطَمَةِ} (4)

لَيُنبذنَّ : النبذ الطرح مع الإهانة والتحقير .

الحُطَمة : نار جهنم ؛ لأنها تحطم كل ما يلقى فيها .

هنا يأتي التهديدُ الكبير لهؤلاء المجرمين بأن الله تعالى سوف يُلقيهم في جهنم .

 
الوجيز في تفسير الكتاب العزيز للواحدي - الواحدي [إخفاء]  
{كَلَّاۖ لَيُنۢبَذَنَّ فِي ٱلۡحُطَمَةِ} (4)

{ كلا } ليس الأمر على ما يحسب { لينبذن في الحطمة } ليطرحن في النار .

 
الجامع لأحكام القرآن للقرطبي - القرطبي [إخفاء]  
{كَلَّاۖ لَيُنۢبَذَنَّ فِي ٱلۡحُطَمَةِ} (4)

" كلا " رد لما توهمه الكافر ، أي لا يخلد ولا يبقى له مال . وقد مضى القول في " كلا " مستوفى{[16368]} . وقال عمر بن عبد الله مولى غفرة : إذا سمعت الله عز وجل يقول " كلا " فإنه يقول كذبت . " لينبذن " أي ليطرحن وليلقين . وقرأ الحسن ومحمد بن كعب ونصر بن عاصم ومجاهد وحميد وابن محيصن : لينبذان بالتثنية ، أي هو وماله . وعن الحسن أيضا " لينبذنه " على معنى لينبذن ما له . وعنه أيضا بالنون " لينبذنه " على إخبار الله تعالى عن نفسه ، وأنه ينبذ صاحب المال . وعنه أيضا " لينبذن " بضم الذال ، على أن المراد الهمزة واللمزة والمال وجامعه .

قوله تعالى : { في الحطمة } وهي نار الله ، سميت بذلك لأنها تكسر كل ما يلقي فيها وتحطمه وتهشمه . قال الراجز :

إنا حَطَمْنَا بالقضيب مُصْعَبَا *** يومَ كَسَرْنَا أنفَهُ ليَغْضَبَا

وهي الطبقة السادسة من طبقات جهنم . حكاه الماوردي عن الكلبي . وحكى القشيري عنه : " الحطمة " الدركة الثانية من درك النار . وقال الضحاك : وهي الدرك الرابع . ابن زيد : اسم من أسماء جهنم .


[16368]:راجع جـ 11 ص 147.
 
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي [إخفاء]  
{كَلَّاۖ لَيُنۢبَذَنَّ فِي ٱلۡحُطَمَةِ} (4)

ولما كان هذا الحسبان لشدة وهيه وبيان ضعفه لا يحتاج إلى إقامة دليل على فساده ، اكتفى فيه بأداة الردع الجامعة لكل زجر ، فقال : { كلا } أي لا يكون ما حسبه ؛ لأنه لا يكون له ما لا يكون لغيره من أمثاله ؛ بل يموت كما مات كل حي مخلوق .

ولما كان كأنه قيل : فما الذي يفعل به بعد الموت ؟ قال مقسماً دالاًّ باللام الداخلة على الفعل على القسم : { لينبذن } أي ليطرحن بعد موته طرح ما هو خفيف هين جداً على كل طارح ، كما دل عليه التعبير بالنبذ وبالبناء للمفعول { في الحطمة * } أي الطبقة من النار التي من شأنها أن تحطم ، أي تكسر وتهشم بشدة وعنف كل ما طرح فيها فيكون أخسر الخاسرين ، وعبر بها في مقابلة الاستعداد بالمال الحامل على الاستهانة بالخلق ، قال الأستاد أبو الحسن الحرالي : فلمعنى ما يختص بالحكم يسمي تعالى باسم من أسمائها من نحو جهنم فيما يكون مواجهة ، ومن نحو الحطمة فيما يكون جزاء لقوة قهر واستعداد بعدد ، ونحو ذلك في سائر أسمائها .