في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{وَلَهُ ٱلۡحَمۡدُ فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ وَعَشِيّٗا وَحِينَ تُظۡهِرُونَ} (18)

17

( فسبحان الله حين تمسون وحين تصبحون ، وله الحمد في السماوات والأرض وعشيا وحين تظهرون ) . .

إن ذلك التسبيح وهذا الحمد يجيئان تعقيبا على مشهد القيامة في الفقرة السابقة ، وفوز المؤمنين بروضة فيها يحبرون ، وانتهاء الكافرين المكذبين إلى شهود العذاب . ومقدمة لهذه الجولة في ملكوت السماوات والأرض ، وأغوار النفس وعجائب الخلق . فيتسقان مع التعقيب على المشهد وعلى التقديم للجولة كل الاتساق .

والنص يربط التسبيح والحمد بالأوقات : الإمساء والإصباح والعشي والأظهار ؛ كما يربطهما بآفاق السماوات والأرض . فيتقصى بهما الزمان والمكان ؛ ويربط القلب البشري بالله في كل بقعة وفي كل أوان ؛ ويشعر بتلك الرابطة في الخالق مع هيكل الكون ودورة الأفلاك وظواهر الليل والنهار والعشي والأظهار . . ومن ثم يظل هذا القلب مفتوحا يقظا حساسا ، وكل ما حوله من مشاهد وظواهر ، وكل ما يختلف عليه من آونة وأحوال ، يذكره بتسبيح الله وحمده ؛ ويصله بخالقه وخالق المشاهد والظواهر والآونة والأحوال .

 
الجامع التاريخي لبيان القرآن الكريم - مركز مبدع [إخفاء]  
{وَلَهُ ٱلۡحَمۡدُ فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ وَعَشِيّٗا وَحِينَ تُظۡهِرُونَ} (18)

تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :

{وله الحمد في السماوات والأرض} يحمده الملائكة في السماوات ويحمده المؤمنون في الأرض، {وعشيا} يعني صلاة العصر، {وحين تظهرون} آية يعني صلاة الأولى،...

تفسير الإمام مالك 179 هـ :

{فعشيا} العصر، {وحين تظهرون}، الظهر.

جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :

وَلَهُ الحَمْدُ فِي السّمَوَاتِ والأرْضِ: وله الحمد من جميع خلقه دون غيره في السموات من سكانها من الملائكة، والأرض من أهلها، من جميع أصناف خلقه فيها.

تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :

يحتمل قوله: {وله الحمد} على التقديم؛ يقول: سبحان الله، {وله الحمد} فيكون الحمد كناية عن الصلاة كالتسبيح لما فيها من التحميد...

النكت و العيون للماوردي 450 هـ :

{وَلَهُ الْحَمْدُ فِي السَّمَواتِ وَالأَرْضِ} فيه قولان: أحدهما: الحمد لله على نعمه وآلائه...

وإنما خص صلاة الليل باسم التسبيح وصلاة النهار باسم الحمد لأن الإنسان في النهار متقلب في أحوال توجب حمد الله عليها، وفي الليل على خلوة توجب تنزيه الله من الأسواء فيها فلذلك صار الحمد بالنهار أخص فسميت به صلاة النهار، والتسبيح بالليل أخص فسميت به صلاة الليل.

والفرق بين المساء والعشي أن المساء بدو الظلام بعد المغيب، والعشي آخر النهار عند ميل الشمس للمغيب وهو مأخوذ من عشا العين وهو نقص النور من الناظر كنقص نور الشمس، فجاءت هذه الآية جامعة لأوقات الصلوات الخمس.

قال يحيى بن سلام: كل صلاة ذكرت في كتاب الله قبل الليلة التي أسري فيها برسول الله صلى الله عليه وسلم فليست من الصلوات الخمس لأنها فرضت في الليلة التي أسري به فيها وذلك قبل الهجرة بسنة، قال: وهذه الآية نزلت بعد ليلة الإسراء وقبل الهجرة...

الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :

{وَعَشِيّاً} متصل بقوله: {حِينَ تُمْسُونَ} وقوله: {وَلَهُ الحمد فِى السماوات والأرض} اعتراض بينهما.

مفاتيح الغيب للرازي 606 هـ :

وقوله: {وله الحمد في السماوات والأرض} كلام معترض بين المعطوف والمعطوف عليه وفيه لطيفة وهو أن الله تعالى لما أمر العباد بالتسبيح كأنه بين لهم أن تسبيحهم الله لنفعهم لا لنفع يعود على الله فعليهم أن يحمدوا الله إذا سبحوه وهذا كما في قوله تعالى:

{يمنون عليك أن أسلموا قل لا تمنوا على إسلامكم بل الله يمن عليكم أن هداكم للإيمان}.

تفسير القرآن العظيم لابن كثير 774 هـ :

ثم اعترض بحمده، مناسبة للتسبيح وهو التحميد، فقال: {وَلَهُ الْحَمْدُ فِي السَّمَوَاتِ وَالأرْضِ}: هو المحمود على ما خلق في السموات والأرض.

{وَعَشِيًّا وَحِينَ تُظْهِرُونَ} فالعشاء هو: شدة الظلام، والإظهار: قوة الضياء. فسبحان خالق هذا وهذا، فالق الإصباح وجاعل الليل سكنا، من قال حين يصبح: {فَسُبْحَانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ. وَلَهُ الْحَمْدُ فِي السَّمَوَاتِ وَالأرْضِ وَعَشِيًّا وَحِينَ تُظْهِرُونَ} الآية بكمالها، أدرك ما فاته في يومه، ومَنْ قالها حين يمسي أدرك ما فاته في ليلته". إسناد جيد ورواه أبو داود في سننه...

نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :

{الحمد} أي الإحاطة بأوصاف الكمال.

{وعشياً} أي من الزوال إلى الصباح.

التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :

{وله الحمد في السماوات والأرض} جملة معترضة بين الظروف تفيد أن تسبيح المؤمنين لله ليس لمنفعة الله تعالى بل لمنفعة المسبحين لأن الله محمود في السماوات والأرض فهو غني عن حمدنا.

وتقديم المجرور في {ولَهُ الحَمْد} لإفادة القصر الادعائي لجنس الحمد على الله تعالى لأن حمده هو الحمد الكامل على نحو قولهم: فلان الشجاع، كما تقدم في طالعة سورة الفاتحة. ولك أن تجعل التقديم للاهتمام بضمير الجلالة.

والعشي: ما بعد العصر.

تفسير الشعراوي 1419 هـ :

حين نتأمل هذه الأوقات التي أمرنا الله فيها بالتسبيح، وهي المساء والصباح والعشى، وهي من العصر إلى المغرب. ثم الظهيرة نجد أنها أوقات عامة سارية في كون الله لا تنقطع أبدا، فأي صباح وأي مساء؟ صباحي أنا؟ أم صباح الآخرين؟ مسائي أم مساء غيري في أقصى أطراف المعمورة؟ إن المتأمل في دورة الوقت يجد أن كل لحظة فيه لا تخلو من صباح ومساء، وعشية وظهيرة، وهذا يعني أن الله تعالى مسبح معبود في كل لحظة من لحظات الزمن. وفي ضوء هذا نفهم قول الرسول صلى الله عليه وسلم:"إن الله يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار، ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل" فالكون لا يخلو في لحظة واحدة من ليل أو نهار، وهذا يعني أن يد الله سبحانه مبسوطة دائما لا تقبض: {بل يداه مبسوطتان... 64} (المائدة)...

 
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي [إخفاء]  
{وَلَهُ ٱلۡحَمۡدُ فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ وَعَشِيّٗا وَحِينَ تُظۡهِرُونَ} (18)

ولما ذكر ما يدل على خصوص التنزيه ، اتبعه ما يعرف بعموم الكمال ، فقال ذاكراً لوقت كمال النهار وكمال الظلام ، و{[52770]} تذكيراً بما يحدث عندهما للآدمي من النقص بالفتور والنوم اعتراضاً بين الأوقات للاهتمام{[52771]} بضم التحميد إلى التسبيح : { وله } أي وحده مع{[52772]} النزاهة عن شوائب النقص { الحمد } أي الإحاطة بأوصاف الكمال .

ولما قدم سبحانه أن تنزهه ملأ الأزمان ، وكان ذلك مستلزماً لملء الأكوان ، وكان إثبات الكمال أبين شرفاً من التنزيه{[52773]} عن النقص ، صرح فيه بالقبيلين فقال : { في السماوات } أي الأجرام العالية كلها التي{[52774]} تحريكها - مع أنها من الكبر في حد لا يحيط به إلا هو سبحانه - سبب للإمساء والإصباح وغيرهما من المنافع { والأرض } التي فيها من المنافع ما يجل عن إحاطتكم به مع أنها بالنسبة إلى السماء كحلقة ملقاة في فلاة ، ولولا ذلك لظهر لكم ذلك برؤية ما وراءها كما هو{[52775]} شأن كل مظل مع كل مقل كما تشاهدون السحاب ونحوه .

ولما خص الإمساء والإصباح ، عمّ فقال معبراً بما يدل على الدوام ، لأن وقت النوم الدال على النقص أولى بإثبات الكمال فيه : { وعشياً } أي من الزوال إلى الصباح { وحين تظهرون* } أي تدخلون في شدة الحر ، وسبحان الله في ذلك كله ، فالآية من الاحتباك : ذكر التسبيح أولاً دليلاً على إرادته ثانياً ، والحمد ثانياً دليلاً على إرادته أولاً{[52776]} ، ولعل المراد بالإظهار{[52777]} هنا ما هو أعم من وقت الظهر ليكون المراد به من حين يزول اسم الصباح من وقت ارتفاع الشمس إلى أن يحدث{[52778]} اسم المساء ، وهو من الظهر إلى الغروب - قاله{[52779]} ابن طريف{[52780]} في كتابه الأفعال ونقله عنه الإمام عبد الحق في كتابه الواعي ، وذلك حين استبداد{[52781]} النهار فيكون كماله فيما دون ذلك من باب الأولى ، وهذا مع هذه الدقائق إشارة إلى الصلوات الخمس ، أي سبحوه بالخضوع له بالصلاة في وقت المساء بصلاة العصر والمغرب ، وفي وقت الصباح بالصبح ، وفي العشى بالعشاء ، وفي الإظهار بالظهر ، وفي هذا التخريج من الحسن بيان الاهتمام بالصلاة الوسطى ، فابتدأ سبحانه بالعصر التي قولها أصح{[52782]} الأقوال ، ودخول المغرب في حيزها بطريق التبعية والقصد الثاني ، وثنى بالصبح وهي تليها في الأصحيّة وهما القريبتان ، لقوله صلى الله عليه وسلم : " من صلى البردين دخل الجنة " - رواه الشيخان{[52783]} عن أبي موسى رضي الله عنه ، " من صلى قبل طلوع الشمس وقبل غروبها وجبت له الجنة " - أسنده صاحب الفردوس{[52784]} عن عمارة بن{[52785]} رويبة رضي الله عنه ورواه مسلم{[52786]} وغيره عنه بلفظ : " لن يلج النار أحد صلى قبل طلوع الشمس وقبل غروبها " - يعني الفجر والعصر " كنا عند النبي صلى الله عليه وسلم فنظر إلى القمر ليلة البدر{[52787]} فقال : " إنكم سترون ربكم كما ترون هذا القمر ، لا تضامون في رؤيته ، فإن استطعتم أن لا تغلبوا على صلاة قبل طلوع الشمس وقبل غروبها فافعلوا لا تفوتنكم{[52788]} " ، ثم قرأ { فسبح بحمد ربك قبل طلوع الشمس وقبل الغروب } رواه البخاري{[52789]} عن جرير بن عبد الله رضي الله عنه ، وحديث أبي هريرة رضي الله عنه في الصحيح{[52790]} " يتعاقبون فيكم ملائكة بالليل وملائكة بالنهار ويجتمعون{[52791]} في صلاة الفجر وصلاة العصر " يدخل هنا .


[52770]:سقطت الواو من ظ ومد.
[52771]:من ظ ومد، وفي الأصل: للاعتراض.
[52772]:زيد من ظ ومد.
[52773]:في ظ ومد: للتنزه.
[52774]:في ظ ومد: إلى.
[52775]:زيد من ظ ومد.
[52776]:زيد من ظ ومد.
[52777]:من ظ ومد، وفي الأصل: به.
[52778]:في ظ: حدث.
[52779]:في ظ: قال.
[52780]:في الأصل: ابن ظريف، والتصحيح من كشف الظنون وهو عبد الملك بن طريف القرطبي المتوفى سنة 400، وقال فيه: ذكره البقاعي في حاشية الألفية.
[52781]:من ظ ومد، وفي الأصل: اشتد.
[52782]:في ظ: أصلح.
[52783]:البخاري في أبواب مواقيت الصلاة ومسلم في أبواب المساجد.
[52784]:راجع: 302/ ب من مخطوطة تلخيص المسند.
[52785]:وقع في الأصل فقط: بنت ـ كذا.
[52786]:راجع 1/228: باب فضل صلاتي الصبح والعصر.
[52787]:ليس في ظ ومد وصحيح البخاري، ولكنه ثبت في نسخته.
[52788]:من ظ ومد والصحيح، وفي الأصل: لا تفوتكم.
[52789]:راجع باب فضل صلاة العصر من المواقيت.
[52790]:راجع باب فضل صلاة العصر من المواقيت.
[52791]:من ظ ومد والصحيح، وفي الأصل: يخفضون.