لعمارة الأرض والخلافة فيها بعدكم . والله الذي قدر الموت هو الذي قدر الحياة . قدر الموت على أن ينشئ أمثال من يموتون ، حتى يأتي الأجل المضروب لهذه الحياة الدنيا . . فإذا انتهت عند الأجل الذي سماه كانت النشأة الأخرى :
في ذلك العالم المغيب المجهول ، الذي لا يدري عنه البشر إلا ما يخبرهم به الله . وعندئذ تبلغ النشأة تمامها ، وتصل القافلة إلى مقرها .
{ على أَن نُّبَدّلَ أمثالكم } أي على أن نذهبكم ونأتي مكانكم أشباهكم من الخلق فالسبق مجاز عن الغلبة استعارة تصريحية أو مجاز مرسل عن لازمه ، وظاهر كلام بعض الأجلة أنه حقيقة في ذلك إذا تعدى بعلي ، والجملة في وضع الحال من ضمير { قَدَّرْنَآ } [ الواقعة : 60 ] وكأن المراد { قَدَّرْنَآ } ذلك ونحن قادرون على أن نميتكم دفعة واحدة ونخلق أشباهكم .
{ وَنُنشِئَكُمْ فِي مَا لاَ تَعْلَمُونَ } من الخلق والأطوار التي لا تعهدونها ، وقال الحسن : من كونكم قردة وخنازير ، ولعل اختيار ذلك لأن الآية تنحو إلى الوعيد ، والمراد ونحن قادرون على هذا أيضاً وجوز أن يكون أمثالكم جمع مثل بفتحتين بمعنى الصفة لا جمع مثل بالسكون بمعنى الشبه كما في الوجه الأول أي ونحن نقدر على أن نغير صفاتكم التي أنتم عليها خَلْقاً وَخُلُقاً وننشئكم في صفات لا تعلمونها ، وقيل : المعنى وننشئكم في البعث عل غير صوركم في الدنيا ، وقيل : المعنى وما يسبقنا أحد فيهرب من الموت أو يغير وقته الذي وقتناه ، على أن المراد تمثيل حال من سلم من الموت أو تأخر أجله عن الوقت المعين له بحال من طلبه طالب فلم يلحقه وسبقه ، وقوله تعالى : { على أَن نُّبَدّلَ } الخ في موضع الحال من الضمير المستتر في مسبوقين أي حال كوننا قادرين أو عازمين على تبديل أمثالكم ، والجملة السابقة على حالها ، وقال الطبري : { على أَن نُّبَدّلَ } متعلق بقدّرنا وعلة له وجملة { وَمَا نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ } اعتراض ، والمعنى نحن قدرنا بينكم الموت لأن نبدل أمثالكم أي نميت طائفة ونبدلها بطائفة هكذا قرناً بعد قرن .
{ على أن نبدل أمثالكم } يعني : نأتي بخلق مثلكم بدلاً منكم ، { وننشئكم } نخلقكم { في ما لا تعلمون } من الصور ، قال مجاهد : في أي خلق شئنا . وقال الحسن : أي نبدل صفاتكم فنجعلكم قردة وخنازير ، كما فعلنا بمن كان قبلكم ، يعني : إن أردنا أن نفعل ذلك ما فاتنا ذلك . وقال سعيد بن المسيب :{ في ما لا تعلمون } يعني : في حواصل طير سود ، تكون ببرهوت كأنها الخطاطيف ، وبرهوت واد باليمن .
تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :
{على أن نبدل أمثالكم} على أن نخلق مثلكم أو أمثل منكم {وننشئكم} يعني ونخلقكم سوى خلقكم {في ما لا تعلمون} من الصورة...
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
قوله:"على أنْ نُبَدّل أمْثالَكُمْ "يقول: على أنْ نُبَدّل منكم أمْثالَكَمْ بعد مهلككم فنجيء بآخرين من جنسكم.
وقوله: "وَنُنْشِئَكُمْ فِيما لا تَعْلَمُون" يقول: ونبدلكم عما تعلمون من أنفسكم فيما لا تعلمون منها من الصور...
التبيان في تفسير القرآن للطوسي 460 هـ :
(على أن نبدل أمثالكم) فالتبديل: جعل الشيء موضع غيره...
الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :
وأمثالكم جمع مثل: أي على أن نبدل منكم ومكانكم أشباهكم من الخلق، وعلى أن (ننشئكم) في خلق لا تعلمونها وما عهدتم بمثلها، يعني: أنا نقدر على الأمرين جميعاً: على خلق ما يماثلكم، وما لا يماثلكم؛ فكيف نعجز عن إعادتكم. ويجوز أن يكون {أمثالكم} جمع مثل، أي: على أن نبدّل ونغير صفاتكم التي أنتم عليها في خلقكم وأخلاقكم، وننشئكم في صفات لا تعلمونها...
التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :
ويتعلق {على أن نبدل أمثالكم} ب {مسبوقين} لأنه يقال: غلبه على كذا، إذا حال بينه وبين نواله، وأصله: غلبه على كذا، أي تمكن من كذا دونه... {وننشئكم في ما لا تعلمون} الإِشارة إلى كيفية التبديل إشارة على وجه الإِبهام. وعطف بالواو دون الفاء لأنه بمفرده تصوير لقدرة الله تعالى وحكمته بعدما أفاده قوله: {أن نبدل أمثالكم} من إثبات أن الله قادر على البعث. و {ما} من قوله: {في ما لا تعلمون} صادقة على الكيفية، أو الهيئة التي يتكيّف بها الإنشاء، أي في كيفية لا تعلمونها إذ لم تحيطوا علماً بخفايا الخلقة. وهذا الإجمال جامع لجميع الصور التي يفرضها الإمكان في بعث الأجساد لإيداع الأرواح. والظرفية المستفادة من {في} ظرفية مجازية معناها قوة الملابسة الشبيهة بإحاطة الظرف بالمظروف كقوله: {فعدلك في أي صورة ما شاء ركّبك} [الانفطار: 7، 8]. ومعنى {لا تعلمون}: أنهم لا يعلمون تفاصيل تلك الأحوال.
الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل - لجنة تأليف بإشراف الشيرازي 2009 هـ :
...جملة (وننشئكم فيما لا تعلمون) ظاهراً إشارة إلى خلق الإنسان يوم القيامة، والتي هي الهدف لحياة وفناء هذه الدنيا، إنّ الله الحكيم الذي خلق الإنسان وقدّر له الموت فطائفة يموتون وآخرين يولدون باستمرار، من البديهي أنّ له هدف. فإذا كانت الحياة الدنيا هي الهدف فالمناسب أن يكون عمر الإنسان خالداً وليس بهذا المقدار القصير المقترن مع ألوان الآلام والمشاكل. وسنّة الموت تشهد أنّ الدنيا معبّراً وليست منزلا وأنّها جسر وليست مقصداً، لأنّها لو كانت مستقرّاً ومقصداً للزم أن تدوم الحياة فيها... (وننشئكم فيما لا تعلمون) ظاهراً إشارة إلى خلق الإنسان يوم القيامة في عالم جديد وبأشكال وظروف جديدة لا ندرك أسرارها.
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.