في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{فَكَانَ عَٰقِبَتَهُمَآ أَنَّهُمَا فِي ٱلنَّارِ خَٰلِدَيۡنِ فِيهَاۚ وَذَٰلِكَ جَزَـٰٓؤُاْ ٱلظَّـٰلِمِينَ} (17)

ويضرب للمنافقين الذين أغروا إخوانهم الذين كفروا من أهل الكتاب بالمقاومة ، فانتهوا بهم إلى تلك النهاية البائسة . يضرب لهم مثلا بحال دائمة . حال الشيطان مع الإنسان ، الذي يستجيب لإغرائه فينتهي وإياه إلى شر مصير :

( كمثل الشيطان إذ قال للإنسان : اكفر . فلما كفر قال : إني بريء منك إني أخاف الله رب العالمين . فكان عاقبتهما أنهما في النار خالدين فيها ، وذلك جزاء الظالمين ) . .

وصورة الشيطان هنا ودوره مع من يستجيب له من بني الإنسان ، تتفقان مع طبيعته ومهمته . فأعجب العجب أن يستمع إليه الإنسان . وحاله هو هذا الحال !

وهي حقيقة دائمة ينتقل السياق القرآني إليها من تلك الواقعة العارضة . فيربط بين الحادث المفرد والحقيقة الكلية ، في مجال حي من الواقع ؛ ولا ينعزل بالحقائق المجردة في الذهن . فالحقائق المجردة الباردة لا تؤثر في المشاعر ، ولا تستجيش القلوب للاستجابة . وهذا فرق ما بين منهج القرآن في خطاب القلوب ، ومنهج الفلاسفة والدارسين والباحثين !

وبهذا المثل الموحي تنتهي قصة بني النضير . وقد ضمت في ثناياها وفي أعقابها هذا الحشد من الصور والحقائق والتوجيهات . واتصلت أحداثها المحلية الواقعة بالحقائق الكبرى المجردة الدائمة . وكانت رحلة في عالم الواقع وفي عالم الضمير ، تمتد إلى أبعد من حدود الحادث ذاته ، وتفترق روايتها في كتاب الله عن روايتها في كتب البشر بمقدار ما بين صنع الله وصنع البشر من فوارق لا تقاس ! !

 
تيسير التفسير لإبراهيم القطان - إبراهيم القطان [إخفاء]  
{فَكَانَ عَٰقِبَتَهُمَآ أَنَّهُمَا فِي ٱلنَّارِ خَٰلِدَيۡنِ فِيهَاۚ وَذَٰلِكَ جَزَـٰٓؤُاْ ٱلظَّـٰلِمِينَ} (17)

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{فَكَانَ عَٰقِبَتَهُمَآ أَنَّهُمَا فِي ٱلنَّارِ خَٰلِدَيۡنِ فِيهَاۚ وَذَٰلِكَ جَزَـٰٓؤُاْ ٱلظَّـٰلِمِينَ} (17)

{ فَكَانَ عَاقِبَتَهُمَا } أي : الداعي الذي هو الشيطان ، والمدعو الذي هو الإنسان حين أطاعه { أَنَّهُمَا فِي النَّارِ خَالِدَيْنِ فِيهَا } كما قال تعالى : { إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ } { وَذَلِكَ جَزَاءُ الظَّالِمِينَ } الذين اشتركوا في الظلم والكفر ، وإن اختلفوا في شدة العذاب وقوته ، وهذا دأب الشيطان مع كل أوليائه ، فإنه يدعوهم ويدليهم إلى ما يضرهم بغرور ، حتى إذا وقعوا في الشباك ، وحاقت بهم أسباب الهلاك ، تبرأ منهم وتخلى عنهم . واللوم كل اللوم على من أطاعه ، فإن الله قد حذر منه وأنذر ، وأخبر بمقاصده وغايته ونهايته ، فالمقدم على طاعته ، عاص على بصيرة لا عذر له .

 
معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{فَكَانَ عَٰقِبَتَهُمَآ أَنَّهُمَا فِي ٱلنَّارِ خَٰلِدَيۡنِ فِيهَاۚ وَذَٰلِكَ جَزَـٰٓؤُاْ ٱلظَّـٰلِمِينَ} (17)

يقول الله تعالى : { فكان عاقبتهما } يعني الشيطان وذلك الإنسان ، { أنهما في النار خالدين فيها وذلك جزاء الظالمين } قال ابن عباس : ضرب الله هذا المثل ليهود بني النضير والمنافقين من أهل المدينة ، وذلك أن الله عز وجل أمر نبيه صلى الله عليه وسلم بإجلاء بني النضير عن المدينة فدس المنافقون إليهم ، وقالوا : لا تجيبوا محمداً إلى ما دعاكم ولا تخرجوا من دياركم ، فإن قاتلكم فإنا معكم وإن أخرجكم خرجنا معكم ، فأجابوهم فدربوا على حصونهم وتحصنوا في ديارهم رجاء نصر المنافقين ، حتى جاءهم النبي صلى الله عليه وسلم فناصبوه الحرب يرجون نصر المنافقين ، فخذلوهم وتبرؤوا منهم كما تبرأ الشيطان من برصيصا وخذله ، فكان عاقبة الفريقين النار . قال ابن عباس رضي الله عنه : فكان الرهبان بعد ذلك في بني إسرائيل لا يمشون إلا بالتقية والكتمان ، وطمع أهل الفسوق والفجور في الأحبار ، ورموهم بالبهتان والقبيح حتى كان أمر جريج الراهب ، فلما برأه الله مما رموا به انبسطت بعده الرهبان وظهروا للناس ، وكانت قصة جريج على ما أخبرنا إسماعيل بن عبد القاهر ، أنبأنا عبد الغافر بن محمد ، حدثنا عيسى الجلودي ، حدثنا إبراهيم بن محمد بن سفيان ، حدثنا مسلم بن الحجاج ، حدثني زهير بن حرب ، حدثنا يزيد بن هارون أنبأنا جرير بن حازم ، حدثنا محمد بن سيرين عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " لم يتكلم في المهد إلا ثلاثة : عيسى ابن مريم عليه السلام ، وصاحب جريج ، وصاحب يوسف ، وكان جريج رجلاً عابداً فاتخذ صومعة فكان فيها فأتته أمه وهو يصلي فقالت : يا جريج ، فقال : يا رب أمي وصلاتي ؟ فأقبل على صلاته ، فانصرفت ، فلما كان من الغد أتته وهو يصلي ، فقالت : يا جريج ، فقال : أي رب أمي وصلاتي ؟ فأقبل على صلاته ، فقالت : اللهم لا تمته حتى ينظر إلى وجوه المومسات . فتذاكر بنو إسرائيل جريجاً وعبادته ، وكانت امرأة بغي يتمثل بحسنها ، فقالت : إن شئتم لأفتننه لكم . قال : فتعرضت له فلم يلتفت إليها ، فأتت راعياً كان يأوي إلى صومعته فأمكنته من نفسها فوقع عليها فحملت فلما ولدت قالت : هو من جريج ، فأتوه فاستنزلوه من صومعته وهدموا صومعته وجعلوا يضربونه ، فقال : ما شأنكم ؟ قالوا : زنيت بهذه البغية فولدت منك ، فقال : أين الصبي ؟ فجاؤوا به ، فقال دعوني حتى أصلي فصلى فلما انصرف أتى الصبي فطعن في بطنه وقال : يا غلام من أبوك ؟ قال : فلان الراعي ، قال : فأقبلوا على جريج يقبلونه ويتمسحون به ، وقالوا نبني لك صومعتك من ذهب ، قال : لا ، أعيدوها من طين كما كانت ، ففعلوا . وبينا صبي يرضع من أمه ، فمر رجل راكب على دابة فارهة وشارة حسنة ، فقالت أمه : اللهم اجعل ابني مثل هذا ، فترك الثدي وأقبل عليه ونظر إليه ، فقال : اللهم لا تجعلني مثله . ثم أقبل على ثديه فجعل يرضع . قال : فكأني أنظر إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو يحكي ارتضاعه بأصبعه السبابة في فمه ، فجعل يمصها . قال : ومروا بجارية وهم يضربونها ويقولون : زنيت وسرقت ، وهي تقول : حسبي الله ونعم الوكيل فقالت أمه : اللهم لا تجعل ابني مثلها ، فترك الرضاع ونظر إليها فقال : اللهم اجعلني مثلها ، فهناك تراجعا الحديث ، فقالت : مر رجل حسن الهيئة فقلت : اللهم اجعل ابني مثله ، فقلت : اللهم لا تجعلني مثله ، ومروا بهذه الأمة وهم يضربونها ويقولون زنيت وسرقت ، فقلت : اللهم لا تجعل ابني مثلها ، فقلت : اللهم اجعلني مثلها ، قال : إن ذاك الرجل كان جباراً فقلت اللهم لا تجعلني مثله ، وإن هذه يقولون لها : زنيت ، ولم تزن ، وسرقت ، ولم تسرق ، فقلت : اللهم اجعلني مثلها " .

 
الجامع التاريخي لبيان القرآن الكريم - مركز مبدع [إخفاء]  
{فَكَانَ عَٰقِبَتَهُمَآ أَنَّهُمَا فِي ٱلنَّارِ خَٰلِدَيۡنِ فِيهَاۚ وَذَٰلِكَ جَزَـٰٓؤُاْ ٱلظَّـٰلِمِينَ} (17)

جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :

يقول تعالى ذكره: فكان عُقبى أمر الشيطان والإنسان الذي أطاعه، فكفر بالله؛ أنهما خالدان في النار ماكثان فيها أبدا...

{وَذَلكَ جَزَاءُ الظّالِمِينَ}: وذلك ثواب اليهود من النضير والمنافقين الذين وعدوهم النصرة، وكلّ كافر بالله ظالم لنفسه على كفره به أنهم في النار مخلّدون.

التبيان في تفسير القرآن للطوسي 460 هـ :

{فكان عاقبتهما} يعني عاقبة الفريقين؛ الداعي والمدعو من الشيطان ومن أغواه والمنافقين واليهود، (أنهما في النار) معذبان فيها.

والعاقبة: نهاية العمل في البادية.

تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي 1376 هـ :

{فَكَانَ عَاقِبَتَهُمَا}: الداعي الذي هو الشيطان، والمدعو الذي هو الإنسان حين أطاعه.

{أَنَّهُمَا فِي النَّارِ خَالِدَيْنِ فِيهَا} كما قال تعالى: {إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ}.

{وَذَلِكَ جَزَاءُ الظَّالِمِينَ} الذين اشتركوا في الظلم والكفر.

في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :

[نص مكرر لاشتراكه مع الآية 16]

يضرب لهم مثلا بحال دائمة. حال الشيطان مع الإنسان، الذي يستجيب لإغرائه فينتهي وإياه إلى شر مصير وصورة الشيطان هنا ودوره مع من يستجيب له من بني الإنسان، تتفقان مع طبيعته ومهمته. فأعجب العجب أن يستمع إليه الإنسان. وحاله هو هذا الحال! وهي حقيقة دائمة ينتقل السياق القرآني إليها من تلك الواقعة العارضة. فيربط بين الحادث المفرد والحقيقة الكلية، في مجال حي من الواقع؛ ولا ينعزل بالحقائق المجردة في الذهن. فالحقائق المجردة الباردة لا تؤثر في المشاعر، ولا تستجيش القلوب للاستجابة. وهذا فرق ما بين منهج القرآن في خطاب القلوب، ومنهج الفلاسفة والدارسين والباحثين!

التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :

والعاقبة السّوأى جزاء جميع الظّالمين المعتدين على الله والمسلمين.

فكما كانت عاقبة الكافر وشيطانه عاقبة سوء، كذلك تكون عاقبة الممثلين بهما وقد اشتركا في ظلم أهل الخير والهدى.

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل - لجنة تأليف بإشراف الشيرازي 2009 هـ :

وهذا أصل كلّي، فإنّ عاقبة تعاون الكفر والنفاق، والشيطان وحزبه، هو الهزيمة والخذلان، وعدم الموفّقية، وعذاب الدنيا والآخرة، في الوقت الذي تكون ثمره تعاون المؤمنين وأصدقائهم تعاون وثيق وبنّاء، وعاقبته الخير ونهايته الانتصار والتمتع بالرحمة الإلهية الواسعة في عالم الدنيا والآخرة.

 
الجامع لأحكام القرآن للقرطبي - القرطبي [إخفاء]  
{فَكَانَ عَٰقِبَتَهُمَآ أَنَّهُمَا فِي ٱلنَّارِ خَٰلِدَيۡنِ فِيهَاۚ وَذَٰلِكَ جَزَـٰٓؤُاْ ٱلظَّـٰلِمِينَ} (17)

{ فكان عاقبتهما } أي عاقبة الشيطان وذلك الإنسان ، { أنهما في النار خالدين فيها } نصب على الحال . والتثنية ظاهرة فيمن جعل الآية مخصوصة في الراهب والشيطان . ومن جعلها في الجنس فالمعنى : وكان عاقبة الفريقين أو الصنفين . ونصب " عاقبتهما " على أنه خبر كان . والاسم { أنهما في النار } وقرأ الحسن { فكان عاقبتهما } بالرفع على الضد من ذلك . وقرأ الأعمش " خالدان فيها " بالرفع وذلك خلاف المرسوم . ورفعه على أنه خبر " أن " والظرف ملغى .

 
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي [إخفاء]  
{فَكَانَ عَٰقِبَتَهُمَآ أَنَّهُمَا فِي ٱلنَّارِ خَٰلِدَيۡنِ فِيهَاۚ وَذَٰلِكَ جَزَـٰٓؤُاْ ٱلظَّـٰلِمِينَ} (17)

ولما كان تقديم الشيء على محله موجباً لروعة تنبه الإنسان للتفتيش{[64112]} عن السبب والتشويق إلى المؤخر قال :{ عاقبتهما } مقدماً لخبر " كان " { أنهما } أي الغار{[64113]} والمغرور { في النار } حال كونهما { خالدين فيها } لأنهما ظلما ظلماً{[64114]} لا فلاح معه .

ولما كان ذلك قد يحمل على أنه في{[64115]} الإنسان بعينه ، قال معلقاً بالوصف{[64116]} ، تعميماً وزجراً عنه : { وذلك } أي العذاب الأكبر { جزاء{[64117]} الظالمين * } أي كل من{[64118]} وضع العبادة في غير محلها .


[64112]:- من ظ وم، وفي الأصل للتنفير.
[64113]:- زيد في الأصل: هو، ولم تكن الزيادة في ظ وم فحذفناها.
[64114]:- زيد من ظ وم.
[64115]:- زيد من م.
[64116]:- من ظ وم، وفي الأصل: بالعطف.
[64117]:- ليس في الأصل فقط.
[64118]:-زيد من ظ وم.
 
التفسير الميسر لمجموعة من العلماء - التفسير الميسر [إخفاء]  
{فَكَانَ عَٰقِبَتَهُمَآ أَنَّهُمَا فِي ٱلنَّارِ خَٰلِدَيۡنِ فِيهَاۚ وَذَٰلِكَ جَزَـٰٓؤُاْ ٱلظَّـٰلِمِينَ} (17)

{ فَكَانَ عَاقِبَتَهُمَا أَنَّهُمَا فِي النَّارِ خَالِدَيْنِ فِيهَا وَذَلِكَ جَزَاءُ الظَّالِمِينَ ( 17 ) } .

فكان عاقبة أمر الشيطان والإنسان الذي أطاعه فكفر ، أنهما في النار ، ماكثَيْن فيها أبدًا ، وذلك جزاء المعتدين المتجاوزين حدود الله .

 
التفسير الشامل لأمير عبد العزيز - أمير عبد العزيز [إخفاء]  
{فَكَانَ عَٰقِبَتَهُمَآ أَنَّهُمَا فِي ٱلنَّارِ خَٰلِدَيۡنِ فِيهَاۚ وَذَٰلِكَ جَزَـٰٓؤُاْ ٱلظَّـٰلِمِينَ} (17)

قوله : { فكان عاقبتهما أنهما في النار خالدين فيها } أي عقبى الشيطان والإنسان المغرور الذي أضله الله وأغواه فأطاعه وغوى أنهما ماكثان في النار أبدا { وذلك جزاؤا الظالمين } الإشارة عائدة إلى خلود الفريقين في النار جزاء كفرهم وإضلالهم . أو جزاء كفر أهل الكتاب وإضلال المنافقين وإغوائهم{[4506]} .


[4506]:تفسير الطبري جـ 28 ص 33، 34 والكشاف جـ 4 ص 85.