وهذه حالهم مع ربهم ، فأما حالهم مع الناس ، وحالهم مع المال ، فهو مما يليق بالمحسنين :
( وفي أموالهم حق للسائل والمحروم ) . .
فهم يجعلون نصيب السائل الذي يسأل فيعطى ، ونصيب المحروم الذي يسكت ويستحيي فيحرم . يجعلون نصيب هذا وهذا حقا مفروضا في أموالهم . وهم متطوعون بفرض هذا الحق غير المحدود .
وهذه الإشارة تتناسق مع علاج السورة لموضوع الرزق والمال ، لتخليص القلب من أوهاق الشح وأثقال البخل وعوائق الانشغال بالرزق . وتمهد للمقطع التالي في السورة ، في الوقت الذي تكمل سمة المتقين وصورة المحسنين .
قوله عز وجل : { وفي أموالهم حق للسائل والمحروم } السائل : الذي يسأل الناس ، والمحروم : الذي ليس له في الغنيمة سهم ، ولا يجرى عليه من الفيء شيء ، هذا قول ابن عباس وسعيد بن المسيب قال : المحروم الذي ليس له في الإسلام سهم ، ومعناه في اللغة : الذي منع الخير والعطاء . وقال قتادة والزهري : المحروم المتعفف الذي لا يسأل . وقال زيد بن أسلم : هو المصاب ثمره أو زرعه أو نسل ماشيته . وهو قول محمد بن كعب القرظي ، قال : المحروم صاخب الحاجة ، ثم قرأ : { إنا لمغرمون * بل نحن محرومون }( الواقعة-67 ) .
ولما ذكر معاملتهم للخالق ، أتبعه المعاملة للخلائق تكميلاً لحقيقة الإحسان فقال : { وفي أموالهم } أي كل أصنافها { حق } أي نصيب ثابت . ولما كان السياق هنا للإحسان ، فكان إحسانهم لفرط محبتهم إلى عباد الله لا يوقفهم عن الواجب بخلاف ما في " سأل " من سياق المصلين مطلقاً ترك وصفه بالمعلومية فقال{[61337]} : { للسائل } أي الذي ينبه على حاجته بسؤال الناس وهو المتكفف { والمحروم * } وهو المتعفف الذي لا يجد ما يغنيه ، ولا يسأل الناس ولا يفطن له ليتصدق عليه ، وهذه صفة أهل الصفة رضي الله عنهم ، فالمحسنون يعرفون صاحب هذا-{[61338]} الوصف لما لهم {[61339]}من نافذ{[61340]} البصيرة ولله بهم من العناية .
قوله : { وفي أموالهم حق للسائل والمحروم } ذلك إطراء آخر للمؤمنين المحسنين . وهو أنهم يبذلون حقا من أموالهم للسائل والمحروم . والمراد بالحق في أموالهم : الزكاة المفروضة . وقيل : كل حق سوى الزكاة . والأولى أنه ما يفرزه المحسن من ماله فيجعله للسائل والمحروم وغيرهما ممن يجب بذل المال إليه كالرحم والضيف والجار المحتاج .
أما السائل ، فهو الذي يسأل الناس لما به من فاقة وعوز ، وله حق فقد روى الإمام أحمد عن فاطمة بنت الحسين عن أبيها الحسين بن علي ( رضي الله عنهما ) قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " للسائل حق وإن جاء على فرس " .
وأما المحروم ، فهو المحارف – بفتح الراء- أي المحدود المحروم وهو ضد المبارك . وقد حورف كسب فلان إذا شدد عليه في معاشه كأنه ميل برزقه عنه{[4332]} والمراد به ههنا الذي ليس له سهم في بيت المال ولا كسب له ولا حرفة يتقوت منها . وقالت أم المؤمنين عائشة ( رضي الله عنها ) : هو المحارف الذي لا يكاد يتيسر له مكسبه . وقيل : هو المتعفف الذي لا يسأل الناس شيئا ، ولا يعلم الناس بحاجته . وفي الحديث : " ليس المسكين بالطواف الذي ترده اللقمة واللقمتان والتمرة والتمرتان ولكن المسكين الذي لا يجد غنى يغنيه ولا يفطن له فيتصدق عليه " .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.