في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{وَٱلَّيۡلِ إِذَا يَغۡشَىٰ} (1)

مقدمة السورة:

سورة الليل مكية وآياتها إحدى وعشرون

في إطار من مشاهد الكون وطبيعة الإنسان تقرر السورة حقيقة العمل والجزاء . ولما كانت هذه الحقيقة منوعة المظاهر : ( إن سعيكم لشتى . فأما من أعطى واتقى وصدق بالحسنى فسنيسره لليسرى . وأما من بخل واستغنى وكذب بالحسنى فسنيسره للعسرى ) . . وكانت العاقبة كذلك في الآخرة مختلفة وفق العمل والوجهة : ( فأنذرتكم نارا تلظى . لا يصلاها إلا الأشقى . الذي كذب وتولى . وسيجنبها الأتقى ، الذي يؤتي ماله يتزكى . . ) .

لما كانت مظاهر هذه الحقيقة ذات لونين ، وذات اتجاهين . . كذلك كان الإطار المختار لها في مطلع السورة ذا لونين في الكون وفي النفس سواء : ( والليل إذا يغشى . والنهار إذا تجلى ) . . ( وما خلق الذكر والأنثى ) . . وهذا من بدائع التناسق في التعبير القرآني .

( والليل إذا يغشى . والنهار إذا تجلى . . وما خلق الذكر والأنثى ) . . .

يقسم الله - سبحانه - بهاتين الآيتين : الليل والنهار . مع صفة كل منهما الصفة المصورة للمشهد . ( والليل إذا يغشى ) . ( والنهار إذا تجلى ) . . الليل حين يغشى البسيطة ، ويغمرها ويخفيها .

والنهار حين يتجلى ويظهر ، فيظهر في تجليه كل شيء ويسفر . وهما آنان متقابلان في دورة الفلك ، ومتقابلان في الصورة ، ومتقابلان في الخصائص ، ومتقابلان في الآثار . . كذلك يقسم بخلقه الأنواع جنسين متقابلين : ( وما خلق الذكر والأنثى ) . . تكملة لظواهر التقابل في جو السورة وحقائقها جميعا .

والليل والنهار ظاهرتان شاملتان لهما دلالة توحيان بها إيحاء للقلب البشري ؛ ولهما دلالة كذلك أخرى عند التدبر والتفكر فيهما وفيما وراءهما . والنفس تتأثر تأثرا تلقائيا بتقلب الليل والنهار . الليل إذا يغشى ويعم ، والنهار إذا تجلى وأسفر . ولهذا التقلب حديث وإيحاء . حديث عن هذا الكون المجهول الأسرار ، وعن هذه الظواهر التي لا يملك البشر من أمرها شيئا . وإيحاء بما وراء هذا التقلب من قدرة تدير الآونة في الكون كما تدار العجلة اليسيرة ! وبما هنالك من تغير وتحول لا يثبت أبدا على حال .

ودلالتهما عند التدبر والتفكر قاطعة في أن هنالك يدا أخرى تدير هذا الفلك ، وتبدل الليل والنهار . بهذا الانتظام وهذا الاطراد وهذه الدقة . وأن الذي يدير الفلك هكذا يدير حياة البشر أيضا . ولا يتركهم سدى ، كما أنه لا يخلقهم عبثا .

ومهما حاول المنكرون والمضلون أن يلغوا في هذه الحقيقة ، وأن يحولوا الأنظار عنها ، فإن القلب البشري سيظل موصولا بهذا الكون ، يتلقى إيقاعاته ، وينظر تقلباته ، ويدرك تلقائيا كما يدرك بعد التدبر والتفكر ، أن هنالك مدبرا لا محيد من الشعور به ، والاعتراف بوجوده من وراء اللغو والهذر ، ومن وراء الجحود والنكران !

 
تيسير التفسير لإبراهيم القطان - إبراهيم القطان [إخفاء]  
{وَٱلَّيۡلِ إِذَا يَغۡشَىٰ} (1)

مقدمة السورة:

سورة الليل مكية وآياتها إحدى وعشرون ، نزلت بعد سورة الأعلى .

وقد بدأت السورة بأقسام ثلاثة على أن أعمال الناس مختلفة : بعضها هدى وبعضها ضلال . فمن أنفق واتقى وصدّق بالجنة التي أعدّها الله للأبرار يسّره الله لليسرى . ومن بخل واستغنى وكذّب بالآخرة والجنة التي ونعيمها فمصيره الشقاء الأبديّ ، ويومئذ لا يُغني عنه ماله إذا هلك . ثم حذّرت أهل مكة من عذاب الله وانتقامه ، وأنذرتهم نارا حامية . وخُتمت بذكر نموذج للمؤمن الصالح الذي ينفق ماله في سبيل الله ليزكّي نفسه ويصونها من عذاب الله .

يغشى : يغطي ، يعمّ ظلامه .

يقسِم الله تعالى بهذه الظواهرِ المتقابلة في الكون ، وفي الناس ، أنَّ سَعْيَ الناسِ مختلفٌ ، وطُرُقَهم مختلفة . وهو يقسم باللّيل حين يغشَى البسيطة ويغمرها بظلامه .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{وَٱلَّيۡلِ إِذَا يَغۡشَىٰ} (1)

مقدمة السورة:

تفسير سورة والليل وهي مكية

{ 1 - 21 } { بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى * وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى * وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى * إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى * فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى * وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى * وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى * وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى * وَمَا يُغْنِي عَنْهُ مَالُهُ إِذَا تَرَدَّى * إِنَّ عَلَيْنَا لَلْهُدَى * وَإِنَّ لَنَا لَلْآخِرَةَ وَالْأُولَى * فَأَنْذَرْتُكُمْ نَارًا تَلَظَّى * لَا يَصْلَاهَا إِلَّا الْأَشْقَى * الَّذِي كَذَّبَ وَتَوَلَّى * وَسَيُجَنَّبُهَا الْأَتْقَى * الَّذِي يُؤْتِي مَالَهُ يَتَزَكَّى * وَمَا لِأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزَى * إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الْأَعْلَى * وَلَسَوْفَ يَرْضَى }

هذا قسم من الله بالزمان الذي تقع فيه أفعال العباد على تفاوت أحوالهم ، فقال : { وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى } [ أي : يعم ] الخلق بظلامه ، فيسكن كل إلى مأواه ومسكنه ، ويستريح العباد من الكد والتعب .

 
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي [إخفاء]  
{وَٱلَّيۡلِ إِذَا يَغۡشَىٰ} (1)

لما بين في الشمس حال من زكى نفسه وحال من دساها ، وأوضح في آخرها من مخالفة ثمود لرسولهم ما أهلكهم ، فعلم أن الناس مختلفون في السعي في تحصيل نجد الخير ونجد الشر ، فمنهم من تغلب عليه ظلمة اللبس ، ومنهم من يغلب عليه نهار الهدى ، فتباينوا في مقاصدهم ، وفي مصادرهم ومواردهم ، بعد أن أثبت أنه هو الذي تصرف في النفوس بالفجور والتقوى ، أقسم أول هذه بما يدل على عجائب صنعه في ضره ونفعه على ذلك ، تنبيهاً على تمام قدرته في أنه الفاعل بالاختيار ، يحول بين المرء وقلبه حتى يحمله على التوصل إلى مراده ، بضد ما يوصل إليه بل بما يوصل إلى مضاده ، وعلى أنه لا يكاد يصدق الاتحاد في القصد والاختلاف في السعي والتوصل ، وشرح جزاء كل تحذيراً من نجد الشر وترغيباً في نجد الخير ، وبين ما به التزكية وما به التدسية فقال : { والّيل } أي الذي هو آية الظلام الذي هو سبب الخبط والخلط لما يحدث عنه من الإشكال واللبس في الأحوال والإهلال الموصل إلى ظلمة العدم ، وهو محل الأسرار بما يصل الأخيار ويقطع الأشرار : { إذا يغشى * } أي يغطي ما كان من الوجود مبصراً بضياء النهار على التدريج قليلاً قليلاً ، وما يدل عليه من جليل مبدعه ، وعظيم ماحقه ومطلعه