ويلتفت السياق أمام مشهد الهول المفزع ، إلى المكذبين أولي النعمة ، يذكرهم فرعون الجبار ، وكيف أخذه الله أخذ عزيز قهار :
( إنا أرسلنا إليكم رسولا شاهدا عليكم كما أرسلنا إلى فرعون رسولا ، فعصى فرعون الرسول فأخذناه أخذا وبيلا ) .
هكذا في اختصار يهز قلوبهم ويخلعها خلعا ، بعد مشهد الأرض والجبال وهي ترتجف وتنهار .
" فعصى فرعون الرسول " أي كذب به ولم يؤمن . قال مقاتل : ذكر موسى وفرعون ؛ لأن أهل مكة ازدروا محمدا صلى الله عليه وسلم واستخفوا به ؛ لأنه ولد فيهم ، كما أن فرعون أزدرى موسى ؛ لأنه رباه ونشأ فيما بينهم ، كما قال تعالى : " ألم نربك فينا وليدا " [ الشعراء :18 ] .
قال المهدوي : ودخلت الألف واللام في الرسول لتقدم ذكره ؛ ولذلك اختير في أول الكتب سلام عليكم ، وفي آخرها السلام عليكم . " وبيلا " أي ثقيلا شديدا . وضرب وبيل وعذاب وبيل : أي شديد ، قاله ابن عباس ومجاهد . ومنه مطر وابل أي شديد . قاله الأخفش . وقال الزجاج : أي ثقيلا غليظا .
ومنه قيل للمطر وابل . وقيل : مهلكا ( والمعنى عاقبناه عقوبة{[15525]} غليظة ) قال :
أكلتِ بنيكِ أكلَ الضَّبِّ حتى *** وَجدْتِ مَرَارَةَ الكَلأِ الوَبِيلِ
واستوبل فلان كذا : أي لم يحمد عاقبته . وماء وبيل : أي وخيم غير مريء ، وكلأ مستوبل وطعام وبيل ومستوبل : إذا لم يمرئ ولم يستمرأ ، قال زهير :
فَقَضَّوا مَنَايَا بينهم ثم أصدروا *** إلى كَلأٍ مُسْتَوْبَلٍ مُتَوَخَّمِ
لقد أكلتْ بَجِيلَةُ يومَ لاقَتْ *** فَوارِسَ مالك أكْلاً وَبِيلاً
والوبيل أيضا : العصا الضخمة ، قال :
لو أصْبَحَ في يُمْنَى يَدَيَّ زِمَامُهَا{[15526]} *** وفي كَفِّيَ الأخْرَى وَبيلٌ تُحَاذِرُهْ
وكذلك الموبل بكسر الباء ، والموبلة أيضا : الحزمة من الحطب ، وكذلك الوبيل ، قال طرفة :
عقيلةُ شيخٍ كالوبِيلِ يَلَنْدَدِ{[15527]}
ولما كان الإرسال سبباً للقبول أو الرد قال : { فعصى فرعون } أي بما له من تعوج الطباع { الرسول } أي الذي تقدم أنا أرسلناه إليه فصار معهوداً لكم بعد ما أراه من المعجزات البينات{[69550]} والآيات الدامغات - بما أشار إليه مظهر العظمة ، ولذلك سبب عن عصيانه قوله : { فأخذناه } أي بما لنا من العظمة ، وبين أنه {[69551]}أخذ قهر وغضب{[69552]} بقوله : { أخذاً وبيلاً * } أي {[69553]}ثقيلاً شديداً متعباً{[69554]} مضيقاً رديء العاقبة من قولهم{[69555]} : طعام وبيل - إذا كان وخماً لا يستمرأ أي لا ينزل{[69556]} في المري ولا يخف عليه ، وذلك{[69557]} بأن أهلكناه ومن معه أجمعين لم ندع منهم أحداً - وسيأتي إن شاء الله تعالى في " ألم نشرح " قاعدة إعادة النكرة{[69558]} والمعرفة .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.