ويعقب على هذه الحقيقة الماثلة بالأصل الكلي الذي ترجع إليه :
( ولله ملك السماوات والأرض ) . .
فهو المهيمن على كل ما في الملك . وهو صانع كل شيء فيه . وهو القادر على الإنشاء والإعادة لكل ما فيه وكل من فيه .
ثم يعرض عليهم مشهداً من هذا اليوم الذي يشكون فيه :
( ويوم تقوم الساعة يومئذ يخسر المبطلون . وترى كل أمة جاثية . كل أمة تدعى إلى كتابها . اليوم تجزون ما كنتم تعملون . هذا كتابنا ينطق عليكم بالحق . إنا كنا نستنسخ ما كنتم تعملون ) . .
إنه يعجل لهم في الآية الأولى عاقبة المبطلين . فهم الخاسرون في هذا اليوم الذي يشكون فيه .
{ 27-37 } { وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يَوْمَئِذٍ يَخْسَرُ الْمُبْطِلُونَ }
يخبر تعالى عن سعة ملكه وانفراده بالتصرف والتدبير في جميع الأوقات وأنه { يوم تَقُومُ السَّاعَةُ } ويجمع الخلائق لموقف القيامة يحصل الخسار على المبطلين الذين أتوا بالباطل ليدحضوا به الحق ، وكانت أعمالهم باطلة ؛ لأنها متعلقة بالباطل فبطلت في يوم القيامة ، اليوم الذي تستبين به الحقائق ، واضمحلت عنهم وفاتهم الثواب وحصلوا على أليم العقاب .
ولما دل على قدرته على الإعادة بهذا الدليل{[58286]} الخاص الذي تقديره : فالله الذي ابتدأ-{[58287]} خلقكم من الأرض على هذا الوجه قادر على إعادتكم ، عطف عليه دليلاً آخر جامعاً فقال تعالى : { ولله } أي-{[58288]} الملك الأعظم وحده { ملك السماوات } كلها { والأرض } التي ابتدأكم منها ، ومن تصرف في ملكه بشيء من الأشياء ، كان قادراً على مثله ما دام ملكاً .
ولما كان التقدير : له ملك ذلك أبداً ، فهو يفعل فيه اليوم ما تشاهدون مع رفع هذا وخفض هذا ، فلو أن الناس سلموا لقضائه لوصلوا إلى جميع ما وصلوا إليه بالبغي والعدوان ، فإنه لا يخرج شيء عن أمره ولكن {[58289]}أكثر الناس{[58290]} اليوم في{[58291]} ريبهم يترددون ، بنى عليه قوله تعالى : { ويوم تقوم الساعة } أي توجد وتتحقق تحقق القائم الذي هو{[58292]} على كمال تمكنه وتمامه أمره الناهض بأعباء ما يريد ، وكرر سبحانه للتهويل والتأكيد قوله : { يومئذ } أي-{[58293]} إذ تقوم يخسرون - هكذا كان الأصل ، ولكنه قال للتعميم والتعليق بالوصف : { يخسر المبطلون * } أي الداخلون في الباطل العريقون في الاتصاف به ، الذين كانوا لا يرضون بقضائي فيستعجلون فيتوصلون إلى مراداتهم بما لم آمر به ، ولا يزالون يبغون إلى أن يأتي الوقت{[58294]} الذي{[58295]} قدرت وصولهم إليها فيه ، فيصلون ويظنون أنهم وصلوا بسعيهم ، وأنهم لو تركوا لما كان لهم ذلك فيخسرون لأجل سعيهم بما جعلت لهم من الاختيار {[58296]}بمرادي فيهم{[58297]} على خلاف أمري ، خسارة مستمرة التجدد لا انفكاك لهم عنها و{[58298]}يفوز المحقون{[58299]} .
{ وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يَوْمَئِذٍ يَخْسَرُ الْمُبْطِلُونَ ( 27 ) }
ولله سبحانه سلطان السموات السبع والأرض خَلْقًا ومُلْكًا وعبودية . ويوم تجيء الساعة التي يبعث فيها الموتى من قبورهم ويحاسبون ، يخسر الكافرون بالله الجاحدون بما أنزله على رسوله من الآيات البينات والدلائل الواضحات .
قوله تعالى : { ولله ملك السماوات والأرض ويوم تقوم الساعة يومئذ يخسر المبطلون 27 وترى كل أمة جاثية كل أمة تدعى إلى كتابها اليوم تجزون ما كنتم تعملون 28 هذا كتابنا ينطق عليكم بالحق إنا كنا نستنسخ ما كنتم تعملون 29 فأما الذين آمنوا وعملوا الصالحات فيدخلهم ربهم في رحمته ذلك هو الفوز المبين30 وأما الذين كفروا أفلم تكن آياتي تتلى عليكم فاستكبرتم وكنتم قوما مجرمين }
الله الذي يملك السماوت والأرض وما فيهن من مختلف الخلائق والعجائب والأجرام ، فهو سبحانه مالك كل شيء ، ولا يملك الذين يعبدون من دونه من الآلهة والأنداد أيما شيء ، بل الله وحده صاحب الملكوت والجبروت لا ينازعه في شيء من ذلك أحد من خلقه .
قوله : { ويوم تقوم الساعة يومئذ يخسر المبطلون } { يوم } ، الأول منصوب بالفعل { يخسر } و { يومئذ } للتأكيد{[4192]} والمعنى : إذا قامت الساعة وجمع الله الأولين والآخرين ليلاقوا الحساب ، حينئذ يخسر الظالمون وهم أهل الباطل الذين جحدوا وارتابوا وكذبوا بالساعة ، لا جرم أنهم هم المفرطون الأخسرون .