ثم نلقي بأبصارنا - من خلال الكلمات - إلى الفريق الآخر . فماذا نحن واجدون ? إنه التأنيب الطويل ، والتشهير المخجل ، والتذكير بشر الأقوال والأعمال :
( وأما الذين كفروا . أفلم تكن آياتي تتلى عليكم ، فاستكبرتم ، وكنتم قوماً مجرمين ? وإذا قيل : إن وعد الله حق والساعة لا ريب فيها . قلتم : ما ندري ما الساعة ! إن نظن إلا ظنا ، وما نحن بمستيقنين ) !
{ وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا } بالله فيقال لهم توبيخا وتقريعا : { أَفَلَمْ تَكُنْ آيَاتِي تُتْلَى عَلَيْكُمْ } وقد دلتكم على ما فيه صلاحكم ونهتكم عما فيه ضرركم وهي أكبر نعمة وصلت إليكم لو وفقتم لها ، ولكن استكبرتم عنها وأعرضتم وكفرتم بها فجنيتم أكبر جناية وأجرمتم أشد الجرم ، فاليوم تجزون ما كنتم تعملون .
" ذلك هو الفوز المبين . وأما الذين كفروا أفلم تكن آياتي تتلى عليكم " أي فيقال لهم ذلك . وهو استفهام توبيخ . " فاستكبرتم " عن قبولها . " وكنتم قوما مجرمين " أي مشركين تكسبون المعاصي . يقال : فلان جريمة أهله إذا كان كاسبهم ، فالمجرم من أكسب نفسه المعاصي . وقد قال الله تعالى : " أفنجعل المسلمين كالمجرمين " {[13806]} [ القلم : 35 ] فالمجرم ضد المسلم فهو المذنب بالكفر إذا .
{ وأما الذين كفروا } أي ستروا ما جلته لهم مرائي عقولهم وفطرهم الأولى من الحق الذي أمر الله به ولو عملوا جميع الصالحات غير الإيمان ، فيدخلهم الملك الأعظم في لعنته .
ولما كان هذا الستر{[58333]} سبباً واضحاً في تبكيتهم{[58334]} قال : { أفلم } أي فيقال لهم : ألم يأتكم رسلي ، وأخلق لكم {[58335]}عقولاً تدلكم{[58336]} على الصواب من التفكر في الآيات المرئية من المعجزات التي أتوكم بها{[58337]} وأنزل عليكم بواسطتهم {[58338]}آيات مسموعة{[58339]} فلم{[58340]} { تكن آياتي } على ما لها من عظمة{[58341]} الإضافة إليّ وعظمة{[58342]} الإتيان إليكم على ألسنة رسلي الذين هم أشرف{[58343]} خلقي .
ولما كانت {[58344]}هذه الآيات{[58345]} توجب الإيمان لما لها من العظمة بمجرد تلاوتها{[58346]} ، بني للمفعول قوله : { تتلى } أي تواصل{[58347]} قراءتها من أيّ تال كان ، فكيف إذا كانت بواسطة الرسل ، تلاوة مستعلية { عليكم } لا تقدرون على رفع{[58348]} شيء منها بشيء يرضاه منصف { فاستكبرتم } أي{[58349]} فتسبب عن تلاوتها التي من{[58350]} شأنها إيراث الخشوع{[58351]} والإخبات والخضوع أن طلبتم الكبر لأنفسكم وأوجدتموه على رسلي وآياتي { وكنتم } خلقاً لازماً { قوماً } أي ذوي قيام وقدرة على ما تحاولونه { مجرمين * } أي{[58352]} عريقين في قطع ما يستحق الوصل ، وذلك هو الخسران المبين ، {[58353]}والآية{[58354]} من الاحتباك : ذكر الإدخال في الرحمة أولاً دليلاً على الإدخال في اللعنة ثانياً ، وذكر التبكيت ثانياً دليلاً على التشريف أولاً ، وسره أن ما ذكره أدل على شرف الولي وحقارة العدو
{ وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا أَفَلَمْ تَكُنْ آيَاتِي تُتْلَى عَلَيْكُمْ فَاسْتَكْبَرْتُمْ وَكُنتُمْ قَوْماً مُجْرِمِينَ ( 31 ) }
وأما الذين جحدوا أن الله هو الإله الحق وكذَّبوا رسله ولم يعملوا بشرعه ، فيقال لهم تقريعًا وتوبيخًا : أفلم تكن آياتي في الدنيا تتلى عليكم ، فاستكبرتم عن استماعها والإيمان بها ، وكنتم قومًا مشركين تكسِبون المعاصي ولا تؤمنون بثواب ولا عقاب ؟
قوله : { وأما الذين كفروا أفلم تكن آياتي تتلى عليكم فاستكبرتم وكنتم قوما مجرمين } أي يقال للكافرين المكذبين يوم القيامة على سبيل التقريع والتوبيخ : ألم تأتكم آيات الله وفيها لكم منه السعادة والنجاة ، فتوليتم مدبرين مستكبرين ، وكنتم بذلك مجرمين بما كنتم تفعلون من المعاصي والذنوب{[4197]} .