في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{وَمِنۡ ءَايَٰتِهِۦٓ أَنۡ خَلَقَكُم مِّن تُرَابٖ ثُمَّ إِذَآ أَنتُم بَشَرٞ تَنتَشِرُونَ} (20)

17

( ومن آياته أن خلقكم من تراب ، ثم إذا أنتم بشر تنتشرون ) . .

والتراب ميت ساكن ؛ ومنه نشأ الإنسان . وفي موضع آخر في القرآن جاء : ولقد خلقنا الإنسان من سلالة من طين فالطين هو الأصل البعيد للإنسان . ولكن هنا يذكر هذا الأصل ويعقبه مباشرة بصورة البشر منتشرين متحركين . للمقابلة في المشهد والمعنى بين التراب الميت الساكن والبشر الحي المتحرك . وذلك بعد قوله : ( يخرج الحي من الميت ويخرج الميت من الحي )تنسيقا للعرض على طريقة القرآن .

وهذه المعجزة الخارقة آية من آيات القدرة ، وإيحاء كذلك بالصلة الوثيقة بين البشر وهذه الأرض التي يعيشورن عليها ؛ و التي يلتقون بها في أصل تكوينهم ، وفي النواميس التي تحكمها وتحكمهم في نطاق الوجود الكبير .

والنقلة الضخمة من صورة التراب الساكن الزهيد إلى صورة الإنسان المتحرك الجليل القدر . . نقلة تثير التأمل في صنع الله ؛ وتستجيش الضمير للحمد والتسبيح لله ؛ وتحرك القلب لتمجيد الصانع المتفضل الكريم .

 
الجامع لأحكام القرآن للقرطبي - القرطبي [إخفاء]  
{وَمِنۡ ءَايَٰتِهِۦٓ أَنۡ خَلَقَكُم مِّن تُرَابٖ ثُمَّ إِذَآ أَنتُم بَشَرٞ تَنتَشِرُونَ} (20)

قوله تعالى : " ومن آياته أن خلقكم من تراب " أي من علامات ربوبيته ووحدانيته أن خلقكم من تراب ، أي خلق أباكم منه والفرع كالأصل ، وقد مضى بيان هذا في " الأنعام " {[12459]} . و " أن " في موضع رفع بالابتداء وكذا " أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا " .

قوله تعالى : " ثم إذا أنتم بشر تنتشرون " ثم أنتم عقلاء ناطقون تتصرفون فيما هو قوام معايشكم ، فلم يكن ليخلقكم عبثا ، ومن قدر على هذا فهو أهل للعبادة والتسبيح .


[12459]:راجع ج 6 ص 387.
 
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي [إخفاء]  
{وَمِنۡ ءَايَٰتِهِۦٓ أَنۡ خَلَقَكُم مِّن تُرَابٖ ثُمَّ إِذَآ أَنتُم بَشَرٞ تَنتَشِرُونَ} (20)

ولما كان التقدير : هذا من آيات الله التي{[52814]} تشاهدونها كل حين دلالة على بعثكم ، عطف عليه التذكير بما هو أصعب منه في مجاري العادات فقال : { ومن آياته } أي على قدرته على بعثكم . ولما كان المراد إثبات قدرته سبحانه على بعثهم بعد أن صاروا تراباً بإيجاده لأصلهم من تراب{[52815]} يزيد على البعث{[52816]} في الإعجاب{[52817]} بأنه لم يكن له أصل في الحياة ، وكان فعله لذلك{[52818]} إنما مكان مرة واحدة ، قال معبراً بالماضي : { أن خلقكم } بخلق أبيكم آدم { من تراب } لم يكن له أصل اتصاف ما بحياة .

ولما كان ابتداء الإنسان من التراب في غاية العجب ، أشار إلى ذلك بأداة البعد فقال : { ثم } أي بعد إخراجكم منه { إذا أنتم بشر } أي فاجأتم{[52819]} كونكم لكم بشرة هي في غاية التماسك والاتصال مع اللين عكس ما كان لكم من الوصف إذا{[52820]} كنتم تراباً ، وأسند الانتشار إلى المبتدأ المخاطب لا{[52821]} إلى الخبر لأن الخطاب أدل على المراد فقال : { تنتشرون } أي تبلغون بالنشر كل مبلغ بالانتقال من مكان إلى مكان مع العقل والنطق ، ولم يختم

هذه الآية{[52822]} بما ختم به ما{[52823]} بعدها دلالة على أنها جامعة لجميع الآيات ، ودلالة على جميع الكمالات ، وختم ما بعدها بذلك تنبيهاً على أن{[52824]} الناس أهملوا{[52825]} النظر فيها على وضوحها ، وكان من حقهم أن يجعلوها نصب أعينهم ، دلالة على كل ما نزلت به الكتب ، وأخبرت به الرسل ، وكذلك{[52826]} أكد في الإخبار إعلاماً بأنهم صاروا لإهمالها في حيز الإنكار .


[52814]:زيد من ظ ومد.
[52815]:زيد من ظ ومد.
[52816]:زيد في الأصل: في سره، ولم تكن الزيادة في ظ ومد فحذفناها.
[52817]:من ظ ومد، وفي الأصل: الأصحاب.
[52818]:من ظ ومد، وفي الأصل: كذلك.
[52819]:من ظ ومد، وفي الأصل: فاحتم.
[52820]:من ظ ومد، وفي الأصل: أو.
[52821]:زيد من ظ ومد.
[52822]:من ظ ومد، وفي الأصل: إلا.
[52823]:سقط من ظ ومد.
[52824]:سقط من ظ.
[52825]:في ظ: اعملوا.
[52826]:في ظ ومد: لذلك.