غرائب القرآن ورغائب الفرقان للحسن بن محمد النيسابوري - النيسابوري- الحسن بن محمد  
{وَمِنۡ ءَايَٰتِهِۦٓ أَنۡ خَلَقَكُم مِّن تُرَابٖ ثُمَّ إِذَآ أَنتُم بَشَرٞ تَنتَشِرُونَ} (20)

1

ثم أراد أن يذكر الحجج الباهرة على استحقاق التسبيح والتحميد له فقال { ومن آياته أن خلقكم } أي أصلكم أو كلاً منكم كما مر في أول الحج { من تراب } وذلك أن التراب أبعد الأشياء عن درجة الإحياء لكثافته ولبرودته ويبسه والحياة بالحرارة والرطوبة ، ولكدورته والروح نير ولثقله وخفة الرواح ولسكونه والحي متحرك حساس ، ولا تتنافي بين هذا وبين قوله { خلق من الماء بشراً } [ الفرقان : 54 ] لأنه أراد الأصل الثاني الذي هو النطفة ، أو أراد أن أصل البشر في الظاهر هو التراب والماء وأما النار فللإنضاج ، والهواء فللاستبقاء كالزق المنفوخ يقوم بالهواء ، و{ ثم } لتبعيد الرتبة و{ إذا } للمفاجأة أي ثم فاجأتم وقت كونكم بشراً . قالوا : فيه إشارة إلى مسألة حكمية وهي أن الله تعالى يخلق أولاً إنساناً فيتبعه أنه حيوان تام لا أنه يخلق أولاً حيواناً ثم يجعله إنساناً ، فخلق الأنواع هو المراد الأول ثم تكون الأنواع فيها الأجناس بتلك الإرادة الأولى . وقوله { بشراً } إشارة إلى القوة المدركة التي البشر بها بشروا بها يمتاز عن غيره من الحيوانات . وقوله { تنتشرون } إشارة إلى القوة المتحركة التي بها الحيوان حيوان فكأنه أشار إلى فضله وجنسه ، وكان الأولى تقديم الجنس على الفصل ، إلا أنه عكس الترتيب لأنه كأنه قال : العجب غير مختص بالإنسان بل الحيوان المنتشر من التراب الساكن عجيب أيضاً . والانتشار إما بمعنى التردد في الحوائج كقوله { فانتشروا في الأرض وابتغوا من فضل الله } [ الجمعة : 10 ] وإما بمعنى البث والتفريق كقوله { وبث منهما رجالاً كثيراً ونساء } [ النساء : 1 ] .

/خ32