فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{وَمِنۡ ءَايَٰتِهِۦٓ أَنۡ خَلَقَكُم مِّن تُرَابٖ ثُمَّ إِذَآ أَنتُم بَشَرٞ تَنتَشِرُونَ} (20)

{ وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَكُم مِّن تُرَابٍ ثُمَّ إِذَا أَنتُم بَشَرٌ تَنتَشِرُونَ ( 20 ) وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ( 21 ) وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّلْعَالِمِينَ ( 22 ) }

{ ومن آياته } الباهرة الدالة على البعث ، وذكر لفظ من آياته ست مرات ، تنتهي عند قوله : إذا أنتم تخرجون . ذكر فيها بدء خلق الإنسان آية ، إلى حين بعثه من القبور ، وختم هذه الآية بقيام السماوات والأرض لكونه من العوارض اللازمة ، لأن كلاّ من السماء والأرض لا يخرج عن مكانه فيتعجب من وقوف الأرض ، وعدم نزولها ، ومن علو السماء وثباتها بغير عمد ، ثم أتبع ذلك بالنشأة الآخرة ، وهي الخروج من الأرض ، وذكر من الأنفس أمرين : خلقكم وخلق لكم من أنفسكم ، وذكر من الآفاق السماء والأرض وذكر من لوازم الإنسان اختلاف الألسنة واختلاف اللون ، وذكر من عوارضه المنام والابتغاء ، ومن عوارض الآفاق البرق والمطر ومن لوازمها قيام السماء وقيام الأرض كذا في النهر ، فجملة ما يتعلق بالنوع الإنساني ستة أشياء : اثنان أصول ، واثنان لوازم ، واثنان عوارض ، وستة متعلقة بالآفاق : اثنان أصول واثنان لوازم واثنان عوارض .

{ أن خلقكم } أي خلق أباكم آدم { من تراب } وخلقكم في ضمن خلقه ، لأن الفرع مستمد من الأصل ، ومأخوذ منه ، وقد مضى تفسير هذا في الأنعام .

{ ثم إذا أنتم بشر } الترتيب والمهلة هنا ظاهران ، فإنهم إنما يصيرون بشرا بعد أطوار كثيرة و ( إذا ) هي الفجائية وإن كنت أكثر ما تقع بعد الفاء ، لكنها وقعت هنا بعد ثم بالنسبة إلى ما يليق بهذه الحالة الخاصة ، وهي أطوار الإنسان كما حكاه الله في مواضع من كونه نطفة ، ثم علقه ، ثم مضغة ، ثم عظما مكسورا لحما فاجأ البشرية والانتشار { تنتشرون } أي تنصرفون فيما هو قوام معايشكم ، وتنبسطون في الأرض .