تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{وَمِنۡ ءَايَٰتِهِۦٓ أَنۡ خَلَقَكُم مِّن تُرَابٖ ثُمَّ إِذَآ أَنتُم بَشَرٞ تَنتَشِرُونَ} (20)

الآية 20 وقوله تعالى : { ومن آياته } يحتمل آيات وحدانيته وربوبيته وحججه وآيات بعثه وإحيائه وآيات رسالة الرسل ونحوها( {[15942]} ) .

وقوله تعالى : { أن خلقكم من تراب } يخرج على وجوه :

أحدها : نسب خلقنا إلى التراب لأنا إنما خلقنا من أصل ، خلق ذلك الأصل من التراب ، وهم آدم ، وإن لم تكن أنفسنا مخلوقة من تراب حقيقة كما نسب خلقنا إلى النطفة ، وإن لم تخلق أنفسنا كما هي من النطفة . لكنه أضاف ذلك ، ونسبه إلى النطفة لما هي أصل ما خلقنا منها .

والثاني : نسبنا إلى التراب لما جعل أغذيتنا وما به قوام أنفسنا وأبداننا في الخارج من التراب . فإنما هو إخبار بما به قوام أنفسنا وأبداننا ، وإن لم نخلق من التراب من الأصل . فيخبر ، والله أعلم ، أنكم لا تتصورون خلق الجسم إن لم تشاهدوا تلك الطينة التي منها تكون الأجسام بعد مشاهدة طينتها ومعاينتكم إياها ، ورأيتم القدرة له على خلقها قبل أن تشاهدوا طينتها .

والثالث : نسب خلقنا إلى التراب ، وهو آدم على ما ذكرنا . إلا أن قوله : { خلقكم } أي قدركم من ذلك الأصل . والتخليق هو التقدير في اللغة . وذلك جائز في اللغة ؛ وإنما قدرنا على تقدير ذلك الأصل . وذلك جائز : نسبتنا وإضافتنا إلى التراب ، إن صح ما ذكر في بعض الأخبار ؛ ذكر أن ملكا يأتي بكف من تراب ، فيذره في تلك النطفة في رحم المرأة ، فيخلق منه حينئذ الولد .

فإن صح هذا فيكون خلق جميع الناس ، وأصلهم من تراب .

وقوله تعالى : { ثم إذا أنتم بشر تنتشرون } أي ثم إذا ذرية من بعد بشر تنبسطون كقوله تعالى : { وينشر رحمته } [ الشورى : 28 ] أي يبسط . أو { تنتشرون } أي تتفرقون في حوائجكم في طلب أغذيتكم وما به قوام أنفسكم ، والله أعلم .


[15942]:في الأصل وم: ونحوه.