وينتقل من ظاهرتي الليل والنهار ، إلى تصميم الأرض لتكون قراراً ، والسماء لتكون بناء :
( الله الذي جعل لكم الأرض قراراً والسماء بناء ) . .
والأرض قرار صالح لحياة الإنسان بتلك الموافقات الكثيرة التي أشرنا إلى بعضها إجمالاً . والسماء بناء ثابت النسب والأبعاد والحركات والدورات ومن ثم تضمن الاستقرار والثبات لحياة هذا الإنسان ، المحسوب حسابها في تصميم هذا الوجود ، المقدرة في بنائه تقديراً . .
ويربط بتكوين السماء والأرض تكوين الإنسان ورزقه من الطيبات على النحو الذي أشرنا إلى بعض أسراره :
( وصوركم فأحسن صوركم ورزقكم من الطيبات ) . .
ويعقب على هذه الآيات والهبات كما عقب على الأولى :
( ذلكم الله ربكم . فتبارك الله رب العالمين ) . .
ذلكم الذي يخلق ويقدر ويدبر ، ويراعيكم ويقدر لكم مكاناً في ملكه . . ذلكم الله ربكم . ( فتبارك الله ) . . وعظمت بركته وتضاعفت . ( رب العالمين ) . . أجمعين .
قوله جل ذكره : { اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ قَرَارًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ } .
{ وَصَوًّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ } : خَلقَ العرشَ والكرسيّ والسماوات والأرضين وجميعَ المخلوقاتِ ولم يقُلْ هذا الخطاب ، وإنما قال لنا : { وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ } وليس الحَسَنُ ما يستحسنه الناسُ بل الحَسنُ ما يستحسنه الحبيبُ :
ما حطك الواشون عن رتبةٍ *** عندي ولا ضَرَّك مُعتابُ
كأنهم أَثْنَوْا -ولم يعلموا- *** عليكَ عندي بالذي عابوا
لم يَقُلْ للشموس في علائها ، ولا للأقمار في ضيائها : { وَصَوَّرَكُمْ فََأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ } .
ولما انتهى إلينا قال ذلك ، وقال : { لَقَدْ خَلَقْنَا الإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ } [ التين : 4 ] .
ويقال إن الواشين قَبَّحوا صورتكم عندنا ، بل الملائكةُ كتبوا في صحائفكم قبيحَ ما ارتكبتم . . ومولاكم أحسن صوركم ، بأن محا من ديوانكم الزّلاّت ، وأثبت بدلاً منها الحسنات ، قال تعالى : { يَمْحُواْ اللَّهُ مَا يَشَآءُ وَيُثْبِتُ } [ الرعد : 39 ] ، وقال : { فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ } [ الفرقان : 70 ] .
قوله جل ذكره : { وَرَزَقَكُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ } .
ليس الطيبُ ما تستطيبه النفْسُ إنما الطيب ما يستطيبُه القلبُ ، فالخبزُ القفار أطيب للفقير الشاكر من الحلواء للغنيِّ المتَسَخِّط .
ورِزْقُ النفوسِ الطعامُ والشرابُ ، ورزقُ القلوبِ لذاذات الطاعات .
{ اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ قَرَارًا } أي : قارة ساكنة ، مهيأة لكل مصالحكم ، تتمكنون من حرثها وغرسها ، والبناء عليها ، والسفر ، والإقامة فيها .
{ وَالسَّمَاءَ بِنَاءً } سقفًا للأرض ، التي أنتم فيها ، قد جعل الله فيها ما تنتفعون به من الأنوار والعلامات ، التي يهتدى بها في ظلمات البر والبحر ، { وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ } فليس في جنس الحيوانات ، أحسن صورة من بني آدم ، كما قال تعالى : { لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ }
وإذا أردت أن تعرف حسن الآدمي وكمال حكمة الله تعالى فيه ، فانظر إليه ، عضوًا عضوًا ، هل تجد عضوًا من أعضائه ، يليق به ، ويصلح أن يكون في غير محله ؟ وانظر أيضًا ، إلى الميل الذي في القلوب ، بعضهم لبعض ، هل تجد ذلك في غير الآدمين ؟ وانظر إلى ما خصه الله به من العقل والإيمان ، والمحبة والمعرفة ، التي هي أحسن الأخلاق المناسبة لأجمل الصور .
{ وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ } وهذا شامل لكل طيب ، من مأكل ، ومشرب ، ومنكح ، وملبس ، ومنظر ، ومسمع ، وغير ذلك ، من الطيبات التي يسرها الله لعباده ، ويسر لهم أسبابها ، ومنعهم من الخبائث ، التي تضادها ، وتضر أبدانهم ، وقلوبهم ، وأديانهم ، { ذَلِكُمُ } الذي دبر الأمور ، وأنعم عليكم بهذه النعم { اللَّهُ رَبُّكُمْ } { فَتَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ } أي : تعاظم ، وكثر خيره وإحسانه ، المربي جميع العالمين بنعمه .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.