في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{يَوۡمَ لَا تَمۡلِكُ نَفۡسٞ لِّنَفۡسٖ شَيۡـٔٗاۖ وَٱلۡأَمۡرُ يَوۡمَئِذٖ لِّلَّهِ} (19)

ثم يجيء البيان بما يتناسق مع هذا التصوير : ( يوم لا تملك نفس لنفس شيئا ) . . فهو العجز الشامل . وهو الشلل الكامل . وهو الانحسار والانكماش والانفصال بين النفوس المشغولة بهمها وحملها عن كل من تعرف من النفوس ! ( والأمر يومئذ لله ) . . يتفرد به سبحانه . وهو المتفرد بالأمر في الدنيا والآخرة . ولكن في هذا اليوم - يوم الدين - تتجلى هذه الحقيقة التي قد يغفل عنها في الدنيا الغافلون المغرورون . فلا يعود بها خفاء ، ولا تغيب عن مخدوع ولا مفتون !

ويتلاقى هذا الهول الصامت الواجم الجليل في نهاية السورة ، مع ذلك الهول المتحرك الهائج المائج في مطلعها . وينحصر الحس بين الهولين . . وكلاهما مذهل مهيب رعيب ! وبينهما ذلك العتاب الجليل المخجل المذيب !

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{يَوۡمَ لَا تَمۡلِكُ نَفۡسٞ لِّنَفۡسٖ شَيۡـٔٗاۖ وَٱلۡأَمۡرُ يَوۡمَئِذٖ لِّلَّهِ} (19)

{ يَوْمَ لَا تَمْلِكُ نَفْسٌ لِنَفْسٍ شَيْئًا } ولو كانت لها قريبة [ أو حبيبة ] مصافية ، فكل مشتغل بنفسه لا يطلب الفكاك لغيرها . { وَالْأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ } فهو الذي يفصل بين العباد ، ويأخذ للمظلوم حقه من ظالمه [ والله أعلم ]

 
معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{يَوۡمَ لَا تَمۡلِكُ نَفۡسٞ لِّنَفۡسٖ شَيۡـٔٗاۖ وَٱلۡأَمۡرُ يَوۡمَئِذٖ لِّلَّهِ} (19)

{ يوم لا تملك } قرأ أهل مكة والبصرة : { يوم } برفع الميم ، رداً على اليوم الأول ، وقرأ الآخرون بنصبها ، أي : في يوم ، يعني : هذه الأشياء في يوم لا تملك { نفس لنفس شيئاً } قال مقاتل : يعني لنفس كافرة شيئاً من المنفعة ، { والأمر يومئذ لله } أي : يوم لا يملك الله في ذلك اليوم أحداً شيئاً كما ملكهم في الدنيا .

 
الجامع التاريخي لبيان القرآن الكريم - مركز مبدع [إخفاء]  
{يَوۡمَ لَا تَمۡلِكُ نَفۡسٞ لِّنَفۡسٖ شَيۡـٔٗاۖ وَٱلۡأَمۡرُ يَوۡمَئِذٖ لِّلَّهِ} (19)

جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :

فسّر جلّ ثناؤه بعض شأنه فقال:"يَوْمَ لا تَمْلِكُ نَفْسٌ لِنَفْسٍ شَيْئا": يقول: ذلك اليوم، يوم لا تملك نفس، يقول: يوم لا تُغني نفس عن نفس شيئا، فتدفع عنها بليّة نزلت بها، ولا تنفعها بنافعة، وقد كانت في الدنيا تحميها، وتدفع عنها من بغاها سوءا، فبطل ذلك يومئذٍ، لأن الأمر صار لله الذي لا يغلبه غالب، ولا يقهره قاهر، واضمحلت هنالك الممالك، وذهبت الرياسات، وحصل الملك للملك الجبار، وذلك قوله: "وَالأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِلّهِ "يقول: والأمر كله يومئذٍ، يعني الدين لله دون سائر خلقه، ليس لأحد من خلقه معه يومئذٍ أمر ولا نهي...

عن قتادة، "قوله يَوْمَ لا تَمْلِكُ نَفْسٌ لِنَفْسٍ شَيْئا وَالأمْرُ يَوْمَئِذٍ لِلّهِ"، والأمر والله اليوم لله، ولكنه يومئذٍ لا ينازعه أحد.

تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :

وذلك اليوم يوم تجزى فيه الشفاعات، فيشفع الأنبياء لكثير من الخلق، فيشفع بهم. وإذا كان كذلك فقد ملكت نفس لنفس شيئا. ولكن تأويله يخرج على أوجه ثلاثة: أحدها: أن الكفرة كانوا يتوادون في ما بينهم ليناصر بعضهم بعضا في النوائب، فقال: {يوم لا تملك نفس لنفس شيئا}...

.لا تملك نفس لنفس شيئا إلا بعد أن يؤذن لها كما قال عز وجل: {لا يتكلمون إلا من أذن له الرحمان وقال صوابا} [النبإ: 38] وقد يجري التشفع في الدنيا لا بالاستئذان من أحد. والثالث: أن يكون معناه: أن كل نفس سيتبين لها في ذلك اليوم أنها لم تملك شيئا إلا بالتمليك. وقوله تعالى: {والأمر يومئذ لله} أي لا يتنازع فيه، وهو في كل وقت لله تعالى. لكن الظلمة يتنازعون في هذه الدنيا، أو {والأمر يومئذ لله} أي يتبين لكل أحد في ذلك اليوم أن الأمر لله تعالى في ذلك اليوم وقبل ذلك اليوم،...

لطائف الإشارات للقشيري 465 هـ :

الأمر لله يومئذٍ، ولله من قبله ومن بعده، ولكن {يَوْمَئِذٍ} تنقطع الدعاوَى، إذ يتضح الأمرُ وتصير المعارفُ ضرورية...

مفاتيح الغيب للرازي 606 هـ :

أن أهل الدنيا كانوا يتغلبون على الملك ويعين بعضهم بعضا في أمور، ويحمى بعضهم بعضا، فإذا كان يوم القيامة بطل ملك بني الدنيا وزالت رياستهم، فلا يحمي أحد أحدا، ولا يغني أحد عن أحد، ولا يتغلب أحد على ملك، ونظيره قوله: {والأمر يومئذ لله} وقوله: {مالك يوم الدين} وهو وعيد عظيم من حيث إنه عرفهم أنه لا يغني عنهم إلا البر والطاعة يومئذ دون سائر ما كان قد يغني عنهم في الدنيا من مال وولد وأعوان وشفعاء. قال الواحدي: والمعنى أن الله تعالى لم يملك في ذلك اليوم أحدا شيئا من الأمور، كما ملكهم في دار الدنيا...

وأما قوله: {والأمر يومئذ لله} فهو إشارة إلى أن البقاء والوجود لله، والأمر كذلك في الأزل وفي اليوم وفي الآخرة، ولم يتغير من حال إلى حال...

.

في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :

(يوم لا تملك نفس لنفس شيئا).. فهو العجز الشامل. وهو الشلل الكامل. وهو الانحسار والانكماش والانفصال بين النفوس المشغولة بهمها وحملها عن كل من تعرف من النفوس! (والأمر يومئذ لله).. يتفرد به سبحانه. وهو المتفرد بالأمر في الدنيا والآخرة. ولكن في هذا اليوم -يوم الدين- تتجلى هذه الحقيقة التي قد يغفل عنها في الدنيا الغافلون المغرورون. فلا يعود بها خفاء...

التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :

في هذا بيان للتهويل العظيم المجمل الذي أفاده قوله: {وما أدراك ما يوم الدين ثم ما أدراك ما يوم الدين} [الانفطار: 17، 18] إذ التهويل مشعر بحصول ما يخافه المهوَّل لهم فاتبع ذلك بزيادة التهويل مع التأييس من وجدان نصير أو معين...

ومعنى {لا تملك نفس لنفس شيئاً}: لا تقدر نفس على شيء لأجل نفس أخرى، أي لنَفعها ....

... وعموم {نفس} الأولى والثانية في سياق النفي يقتضي عموم الحكم في كل نفس. و {شيئاً} اسم يدل على جنس الموجود، وهو متوغل في الإِبهام يفسره ما يقترن به في الكلام من تمييز أو صفة أو نحوهما، أو من السياق، ويبينه هنا ما دلّ عليه فعل {لا تملك} ولام العلة، أي شيئاً يغني عنها وينفعها كما في قوله تعالى: {وما أغني عنكم من اللَّه من شيء} في سورة يوسف (67)، فانتصب {شيئاً} على المفعول به لفعل {لا تملك}، أي ليس في قدرتها شيء ينفع نفساً أخرى. وهذا يفيد تأييس المشركين من أن تنفعهم أصنامهم يومئذ كما قال تعالى: {وما نرى معكم شفعاءكم الذين زعمتم أنهم فيكم شركاء} [الأنعام: 94]. {والأمر يَوْمَئِذٍ لله}. وجملة {والأمر يومئذ للَّه} تذييل، والتعريف في {الأمر} للاستغراق. والأمر هنا بمعنى: التصرف والإِذن وهو واحد الأوامِر، أي لا يأمر إلا الله ويجوز أن يكون الأمر مرادفاً للشيء فتغيير التعبير للتفنن. والتعريف على كلا الوجهين تعريف الجنس المستعمل لإِرادة الاستغراق، فيعم كل الأمور.

 
الجامع لأحكام القرآن للقرطبي - القرطبي [إخفاء]  
{يَوۡمَ لَا تَمۡلِكُ نَفۡسٞ لِّنَفۡسٖ شَيۡـٔٗاۖ وَٱلۡأَمۡرُ يَوۡمَئِذٖ لِّلَّهِ} (19)

" يوم لا تملك نفس " قرأ ابن كثير وأبو عمرو " يوم " بالرفع على البدل من " يوم الدين " أو ردا على اليوم الأول ، فيكون صفة ونعتا ل " يوم الدين " . ويجوز أن يرفع بإضمار هو . الباقون بالنصب على أنه في موضع رفع إلا أنه نصب ؛ لأنه مضاف غير متمكن . كما تقول : أعجبني يوم يقوم زيد . وأنشد المبرد :

من أي يوميَّ من الموت أَفِرّْ *** أيومَ لم يُقْدَر أم يومَ قُدِرْ

فاليومان الثانيان مخفوضان بالإضافة ، عن الترجمة عن اليومين الأولين ، إلا أنهما نصبا في اللفظ ؛ لأنهما أضيفا إلى غير محض . وهذا اختيار الفراء والزجاج . وقال قوم : اليوم الثاني منصوب على المحل ، كأنه قال : في يوم لا تملك نفس لنفس شيئا . وقيل : بمعنى : إن هذه الأشياء تكون يوم ، أو على معنى يدانون يوم ؛ لأن الدين يدل عليه ، أو بإضمار اذكر . " والأمر يومئذ لله " لا ينازعه فيه أحد ، كما قال : " لمن الملك اليوم لله الواحد القهار . اليوم تجزى كل نفس بما كسبت لا ظلم اليوم " [ غافر :17 ] . تمت السورة والحمد لله .

 
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي [إخفاء]  
{يَوۡمَ لَا تَمۡلِكُ نَفۡسٞ لِّنَفۡسٖ شَيۡـٔٗاۖ وَٱلۡأَمۡرُ يَوۡمَئِذٖ لِّلَّهِ} (19)

ولما بين أنه من العظمة بحيث لا تدركه دراية دار وإن عظم وإن اجتهد ، لخص أمره في شرح ما يحتمله العقول منه على سبيل الإجمال دافعاً ما قد يقوله بعض من لا عقل له : إن كان انضممت{[72081]} والتجأت إلى بعض الأكابر وقصدت{[72082]} بعض الأماثل فأخلص قهراً أو بشفاعة ونحوها ، فقال مبدلاً من " يوم الدين " في قراءة ابن كثير والبصريين بالرفع : { يوم } وهو ظرف ، قال الكسائي : العرب تؤثر الرفع إذا أضافوا {[72083]}الليل واليوم إلى{[72084]} مستقبل ، وإذا أضافوا إلى فعل ماض آثروا النصب { لا تملك } أي بوجه من الوجوه في وقت ما { نفس } أيّ نفس كانت من غير استثناء ، ونصبه الباقون على الظرف ، ويجوز أن تكون الفتحة للبناء لإضافته{[72085]} إلى غير متمكن{[72086]} { لنفس شيئاً } أي{[72087]} قل أو جل ، وهذا وإن كان اليوم ثابتاً لكنه في هذه الدار بطن سبحانه في الأسباب ، فتقرر في النفوس أن الموجودين يضرون وينفعون لأنهم يتكلمون{[72088]} ويبطشون ، وأما هناك فالمقرر في النفوس خلاف ذلك من أنه لا يتكلم أحد إلا بإذنه إذناً ظاهراً ، ولا يكون لأحد فعل ما إلا بإذنه كذلك ، فالأمر كله له دائماً ، لكن اسمه الظاهر هناك ظاهر-{[72089]} واسمه الباطن هذا مقرر لموجبات الغروروسار .

ولما كان التقدير : فلا أمر لأحد من الخلق أصلاً ، لا-{[72090]} ظاهراً ولا باطناً ، عطف عليه قوله : { والأمر } أي كله { يومئذ } أي إذ كان البعث للجزاء { لله * } أي مختص به لا يشاركه فيه-{[72091]} مشارك ظاهراً كما أنه لا يشاركه فيه باطناً ، ويحصل هناك{[72092]} الكشف الكلي فلا يدعي أحد لأحد أمراً{[72093]} من الأمور بغير إذن ظاهر خاص ، وتصير المعارف بذلك ضرورية ، فلذلك كان الانفطار والزلازل الكبار ، والإحصاء لجميع الأعمال الصغار والكبار ، وقد رجع أخرها كما ترى إلى أولها ، والتف{[72094]} مفصلها بموصلها{[72095]} - {[72096]}والله الهادي للصواب{[72097]} .


[72081]:من ظ و م، وفي الأصل: انضمت.
[72082]:من ظ و م، وفي الأصل: قصد.
[72083]:من ظ و م، وفي الأصل: اليوم أو الليل.
[72084]:من ظ و م، وفي الأصل: اليوم أو الليل.
[72085]:من م، وفي الأصل و ظ: لإضافة.
[72086]:من ظ و م، وفي الأصل: ممكن.
[72087]:زيد في الأصل: أي شبء، ولم تكن الزيادة في ظ و م فحذفناها.
[72088]:في ظ: لا يظلمون.
[72089]:زيد من م.
[72090]:زيد من م.
[72091]:زيد من م.
[72092]:من م، وفي الأصل و ظ: هنا.
[72093]:من م، وفي الأصل و ظ: أمر.
[72094]:من ظ و م، وفي الأصل: ألتقا.
[72095]:من ظ و م، وفي الأصل: بمولها-كذا.
[72096]:سقط ما بين الرقمين من ظ و م.
[72097]:سقط ما بين الرقمين من ظ و م.