في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{سُبۡحَٰنَ ٱلَّذِي خَلَقَ ٱلۡأَزۡوَٰجَ كُلَّهَا مِمَّا تُنۢبِتُ ٱلۡأَرۡضُ وَمِنۡ أَنفُسِهِمۡ وَمِمَّا لَا يَعۡلَمُونَ} (36)

30

ويلتفت عنهم بعد هذه اللمسة الرفيقة ليسبح الله الذي أطلع لهم النبت والجنان ، وجعل الزرع أزواجاً ذكراناً وإناثاً كالناس وكغيرهم من خلق الله الذي لا يعلمه سواه :

( سبحان الذي خلق الأزواج كلها مما تنبت الأرض ومن أنفسهم ومما لا يعلمون ) . .

وهذه التسبيحة تنطلق في أوانها وفي موضعها ؛ وترتسم معها حقيقة ضخمة من حقائق هذا الوجود . حقيقة وحدة الخلق . . وحدة القاعدة والتكوين . . فقد خلق الله الأحياء أزواجاً . النبات فيها كالإنسان . ومثل ذلك غيرهما . . ( ومما لا يعلمون ) . . وإن هذه الوحدة لتشي بوحدة اليد المبدعة . التي توجد قاعدة التكوين مع اختلاف الأشكال والأحجام والأنواع والأجناس ، والخصائص والسمات ، في هذه الأحياء التي لا يعلم علمها إلا الله . .

ومن يدري فربما كانت هذه قاعدة الكون كله حتى الجماد ! وقد أصبح معلوماً أن الذرة - أصغر ما عرف من قبل من أجزاء المادة - مؤلفة من زوجين مختلفين من الإشعاع الكهربي ، سالب وموجب يتزاوجان ويتحدان ! كذلك شوهدت ألوف من الثنائيات النجمية . تتألف من نجمين مرتبطين يشد بعضهما بعضاً ، ويدوران في مدار واحد كأنما يوقعان على نغمة رتيبة !

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{سُبۡحَٰنَ ٱلَّذِي خَلَقَ ٱلۡأَزۡوَٰجَ كُلَّهَا مِمَّا تُنۢبِتُ ٱلۡأَرۡضُ وَمِنۡ أَنفُسِهِمۡ وَمِمَّا لَا يَعۡلَمُونَ} (36)

{ سُبْحَانَ الَّذِي خَلَقَ الْأَزْوَاجَ كُلَّهَا } أي : الأصناف كلها ، { مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ } فنوع فيها من الأصناف ما يعسر تعداده . { وَمِنْ أَنْفُسِهِمْ } فنوعهم إلى ذكر وأنثى ، وفاوت بين خلقهم وخُلُقِهمْ ، وأوصافهم الظاهرة والباطنة . { وَمِمَّا لَا يَعْلَمُونَ } من المخلوقات التي قد خلقت وغابت عن علمنا ، والتي لم تخلق بعد ، فسبحانه وتعالى أن يكون له شريك ، أو ظهير ، أو عوين ، أو وزير ، أو صاحبة ، أو ولد ، أو سَمِيٌّ ، أو شبيه ، أو مثيل في صفات كماله ونعوت جلاله ، أو يعجزه شيء يريده .

 
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي [إخفاء]  
{سُبۡحَٰنَ ٱلَّذِي خَلَقَ ٱلۡأَزۡوَٰجَ كُلَّهَا مِمَّا تُنۢبِتُ ٱلۡأَرۡضُ وَمِنۡ أَنفُسِهِمۡ وَمِمَّا لَا يَعۡلَمُونَ} (36)

ولما كان السياق لإثبات الوحدانية ، والإعلام بأن ما عبد من دونه لا استحقاق له في ذلك بوجه ، ولا نفع بيده ولا ضر ، وأنتج هذا السياق بما دل عليه من تفرده بكل كمال ، وأنه لا أمر لأحد معه بوجه من الوجوه - تنزهه عما ادعوه من الشرك غاية التنزه ، قال لافتاً للكلام عن مظهر العظمة ؛لأن إثباتها بالرحمة الدال عليها أدخل في التعظيم : { سبحان الذي } ووصفه بما أكد ما مضى من إسناد الأمور كلها إليه ، ونفى كل شيء منها عمن سواه فقال : { خلق الأزواج } أي : الأنواع المتشاكلة المتباينة في الأوصاف وفي الطعوم والأرابيح والأشكال والهيئات والطبائع وغير ذلك ، من أمور لا يحصيها إلا الله تدل أعظم دلالة على كمال القدرة وعظيم الحكمة والاختيار في الإرادة ، وأكد بقوله : { كلها } لإفادة التعميم ، ثم زاد الأمر تصريحاً بالبيان بقوله : { مما تنبت الأرض } فدخل فيه من كل نجم وشجر ومعدن وغيره من كل ما يتولد منها ، وأشار - لكونه في سياق تكذيبهم - إلى تأديبهم بتحقيرهم بجمع القلة والتعبير بالنفس التي تطلق في الغالب على ما يذم به فقال : { ومن أنفسهم } وبين أن وراء ذلك أموراً لا يعلمها إلا هو سبحانه فقال : { ومما لا يعلمون * } أي :ومما لا يحتاجون إليه في دينهم ولا دنياهم ، ولا توقف لشيء من إصلاح المعاش والمعاد عليه ، ولو كان ذلك لأعلم به كما أعلم بأحوال الآخرة وغيرها مما لم نكن نعلمه .