نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي  
{سُبۡحَٰنَ ٱلَّذِي خَلَقَ ٱلۡأَزۡوَٰجَ كُلَّهَا مِمَّا تُنۢبِتُ ٱلۡأَرۡضُ وَمِنۡ أَنفُسِهِمۡ وَمِمَّا لَا يَعۡلَمُونَ} (36)

ولما كان السياق لإثبات الوحدانية ، والإعلام بأن ما عبد من دونه لا استحقاق له في ذلك بوجه ، ولا نفع بيده ولا ضر ، وأنتج هذا السياق بما دل عليه من تفرده بكل كمال ، وأنه لا أمر لأحد معه بوجه من الوجوه - تنزهه عما ادعوه من الشرك غاية التنزه ، قال لافتاً للكلام عن مظهر العظمة ؛لأن إثباتها بالرحمة الدال عليها أدخل في التعظيم : { سبحان الذي } ووصفه بما أكد ما مضى من إسناد الأمور كلها إليه ، ونفى كل شيء منها عمن سواه فقال : { خلق الأزواج } أي : الأنواع المتشاكلة المتباينة في الأوصاف وفي الطعوم والأرابيح والأشكال والهيئات والطبائع وغير ذلك ، من أمور لا يحصيها إلا الله تدل أعظم دلالة على كمال القدرة وعظيم الحكمة والاختيار في الإرادة ، وأكد بقوله : { كلها } لإفادة التعميم ، ثم زاد الأمر تصريحاً بالبيان بقوله : { مما تنبت الأرض } فدخل فيه من كل نجم وشجر ومعدن وغيره من كل ما يتولد منها ، وأشار - لكونه في سياق تكذيبهم - إلى تأديبهم بتحقيرهم بجمع القلة والتعبير بالنفس التي تطلق في الغالب على ما يذم به فقال : { ومن أنفسهم } وبين أن وراء ذلك أموراً لا يعلمها إلا هو سبحانه فقال : { ومما لا يعلمون * } أي :ومما لا يحتاجون إليه في دينهم ولا دنياهم ، ولا توقف لشيء من إصلاح المعاش والمعاد عليه ، ولو كان ذلك لأعلم به كما أعلم بأحوال الآخرة وغيرها مما لم نكن نعلمه .