في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{وَءَايَةٞ لَّهُمُ ٱلۡأَرۡضُ ٱلۡمَيۡتَةُ أَحۡيَيۡنَٰهَا وَأَخۡرَجۡنَا مِنۡهَا حَبّٗا فَمِنۡهُ يَأۡكُلُونَ} (33)

وآية لهم الأرض الميتة أحييناها وأخرجنا منها حباً فمنه يأكلون ؛ وجعلنا فيها جنات من نخيل وأعناب ، وفجرنا فيها من العيون ، ليأكلوا من ثمره وما عملته أيديهم ، أفلا يشكرون ? سبحان الذي خلق الازواج كلها مما تنبت الأرض ومن أنفسهم ومما لا يعلمون . .

إنهم يكذبون الرسل ، ولا يتدبرون مصارع المكذبين ، ولا يدركون دلالة كونهم يذهبون ولا يرجعون . والرسل إنما يدعونهم إلى الله . وكل ما في الوجود حولهم يحدثهم عن الله ، ويدل عليه ويشهد بوجوده . وهذه هي الأرض القريبة منهم ، يرونها ميتة لا حياة فيها ، ولا ماء ينشىء الحياة ، ثم يرونها حية تنبت الحب ، وتزدان بالجنات من نخيل وأعناب ، وتتفجر فيها العيون ، فتجري بالحياة حيث تجري .

والحياة معجزة لا تملك يد البشر أن تجريها ؛ إنما هي يد الله التي تجري المعجزات ، وتبث روح الحياة في الموات . وإن رؤية الزرع النامي ، والجنان الوارفة ، والثمر اليانع ، لتفتح العين والقلب على يد الله المبدعة ، وهي تشق التربة عن النبتة المتطلعة للحرية والنور ، وتنضر العود المستشرف للشمس والضياء ، وتزين الغصن اللدن بالورق والثمار ، وتفتح الزهرة وتنضج الثمرة ، وتهيئها للجني والقطاف . .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{وَءَايَةٞ لَّهُمُ ٱلۡأَرۡضُ ٱلۡمَيۡتَةُ أَحۡيَيۡنَٰهَا وَأَخۡرَجۡنَا مِنۡهَا حَبّٗا فَمِنۡهُ يَأۡكُلُونَ} (33)

{ 33 - 36 } { وَآيَةٌ لَهُمُ الْأَرْضُ الْمَيْتَةُ أَحْيَيْنَاهَا وَأَخْرَجْنَا مِنْهَا حَبًّا فَمِنْهُ يَأْكُلُونَ } .

أي : { وَآيَةٌ لَهُمُ } على البعث والنشور ، والقيام بين يدي اللّه تعالى للجزاء على الأعمال ، هذه { الْأَرْضُ الْمَيْتَةُ } أنزل اللّه عليها المطر ، فأحياها{[754]}  بعد موتها ، { وَأَخْرَجْنَا مِنْهَا حَبًّا فَمِنْهُ يَأْكُلُونَ } : من جميع أصناف الزروع ، ومن جميع أصناف النبات ، التي تأكله أنعامهم .


[754]:- كذا في ب، وفي أ: فأصابها.
 
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي [إخفاء]  
{وَءَايَةٞ لَّهُمُ ٱلۡأَرۡضُ ٱلۡمَيۡتَةُ أَحۡيَيۡنَٰهَا وَأَخۡرَجۡنَا مِنۡهَا حَبّٗا فَمِنۡهُ يَأۡكُلُونَ} (33)

ولما أتم ضرب المثل المفيد لتمام قدرته على الأفعال الهائلة ببشارة ونذارة ، حتى أن من طبع على قلبه فهو لا يؤمن وإن كان قريباً في النسب والدار ، ومن أسكن قلبه الخشية يؤمن وإن شط به النسب والمزار ، فتم التعريف بالقسم المقصود بالذات وهو من يتبع الذكر ، وختم بالبعث وكانوا له منكرين ، وكان قد جعله في صدر الكلام من تمام بشارة من اتبع الذكر ، دل عليه بقوله مبتدئاً بنكرة تنويها دال على تعظيمها :

{ وآية } أي : علامة عظيمة { لهم } على قدرتنا على البعث وإيجادنا له { الأرض } أي :هذا الجنس الذي هم منه ، ثم وصفها بما حقق وجه الشبه فقال : { الميتة } التي لا روح لها لأنه لا نبات بها أعم من أن يكون بها نبات وفني فتفتت وصار تراباً أو لم يكن بها شيء أصلاً . ثم استأنف بيان كونها آية بقوله : { أحييناها } أي :باختراع النبات فيها أو بإعادته بسبب المطر كما كان بعد اضمحلاله .

ولما كان إخراج الأقوات نعمة أخرى قال : { وأخرجنا منها حباً } ونبه تعالى على عظيم القدرة فيها وعلى عموم نفعها بمظهر العظمة ، وزاد في التنبيه بالتذكير بأن الحب معظم ما يقيم الحيوان ، فقال مقدماً للجار إشارة إلى عد غيره بالنسبة إليه عدماً لعظيم وقعه وعموم نفعه بدليل أنه متى قل جاء القحط ووقع الضرر ، { فمنه } أي :بسبب هذا الإخراج { يأكلون } أي :فهو حب حقيقة يعلمون ذلك علم اليقين ، وعين اليقين ، وحق اليقين ، لا يقدرون على أن يدعوا أن ذلك خيال سحري بوجه ، وفي هذه الأية وأمثالها حث عظيم على تدبر القرآن واستخراج ما فيه من المعاني الدالة على جلال الله وكماله . وقد أنشد هنا الأستاذ أبو القاسم القشيري رحمه الله في تفسيره في عيب من أهمل ذلك فقال :

يا من تصدر في دست الإمامة في *** مسائل الفقه إملاء وتدريسا

غفلت عن حجج التوحيد تحكمها *** شيدت فرعاً وما مهدت تأسيسا