في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{وَلَا تُطِعۡ كُلَّ حَلَّافٖ مَّهِينٍ} (10)

ثم يبرز قيمة العنصر الأخلاقي مرة أخرى في نهي الرسول [ صلى الله عليه وسلم ] عن إطاعة أحد هؤلاء المكذبين بالذات ، ويصفه بصفاته المزرية المنفرة ، ويتوعده بالإذلال والمهانة :

( ولا تطع كل حلاف مهين . هماز مشاء بنميم . مناع للخير معتد أثيم . عتل بعد ذلك زنيم . أن كان ذا مال )( وبنين . إذا تتلى عليه آياتنا قال : أساطير الأولين . سنسمه على الخرطوم ) . .

وقد قيل : إنه الوليد بن المغيرة ، وإنه هو الذي نزلت فيه كذلك آيات من سورة المدثر : ( ذرني ومن خلقت وحيدا ، وجعلت له مالا ممدودا ، وبنين شهودا ، ومهدت له تمهيدا . ثم يطمع أن أزيد . كلا ! ! إنه كان لآياتنا عنيدا . سأرهقه صعودا . إنه فكر وقدر . فقتل ! كيف قدر ? ثم قتل ! كيف قدر ? ثم نظر . ثم عبس وبسر . ثم أدبر واستكبر . فقال : إن هذا إلا سحر يؤثر . إن هذا إلا قول البشر . سأصليه سقر ) . .

ورويت عنه مواقف كثيرة في الكيد لرسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] وإنذار أصحابه ، والوقوف في وجه الدعوة ، والصد عن سبيل الله . . كما قيل : إن آيات سورة القلم نزلت في الأخنس بن شريق . . وكلاهما كان ممن خاصموا رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] ولجوا في حربه والتأليب عليه أمدا طويلا .

وهذه الحملة القرآنية العنيفة في هذه السورة ، والتهديدات القاصمة في السورة الأخرى ، وفي سواها ، شاهد على شدة دوره سواء كان هو الوليد أو الأخنس والأول أرجح ، في حرب الرسول والدعوة ، كما هي شاهد على سوء طويته ، وفساد نفسه ، وخلوها من الخير .

والقرآن يصفه هنا بتسع صفات كلها ذميم . . .

فهو حلاف . . كثير الحلف . ولا يكثر الحلف إلا إنسان غير صادق ، يدرك أن الناس يكذبونه ولا يثقون به ، فيحلف ويكثر من الحلف ليداري كذبه ، ويستجلب ثقة الناس .

وهو مهين . . لا يحترم نفسه ، ولا يحترم الناس قوله . وآية مهانته حاجته إلى الحلف ، وعدم ثقته بنفسه وعدم ثقة الناس به . ولو كان ذا مال وذا بنين وذا جاه . فالمهانة صفة نفسية تلصق بالمرء ولو كان سلطانا طاغية جبارا . والعزة صفة نفسية لا تفارق النفس الكريمة ولو تجردت من كل أعراض الحياة الدنيا !

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{وَلَا تُطِعۡ كُلَّ حَلَّافٖ مَّهِينٍ} (10)

{ وَلَا تُطِعْ كُلَّ حَلَّافٍ } أي : كثير الحلف ، فإنه لا يكون كذلك إلا وهو كذاب ، ولا يكون كذابًا إلا وهو { مَهِينٌ } أي : خسيس النفس ، ناقص الهمة ، ليس له همة{[1190]}  في الخير ، بل إرادته في شهوات نفسه الخسيسة .


[1190]:- في ب: ليس له رغبة.
 
التسهيل لعلوم التنزيل، لابن جزي - ابن جزي [إخفاء]  
{وَلَا تُطِعۡ كُلَّ حَلَّافٖ مَّهِينٍ} (10)

{ حلاف } كثير الحلف في الحق والباطل .

{ مهين } هو الضعيف الرأي والعقل ، قال ابن عطية : هو من مهن إذا ضعف ، فالميم فاء الفعل ، وقال الزمخشري : هو من المهانة وهي الذلة والحقارة ، وقال ابن عباس : المهين الكذاب .

 
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي [إخفاء]  
{وَلَا تُطِعۡ كُلَّ حَلَّافٖ مَّهِينٍ} (10)

ولما نهاه{[67448]} عن طاعة المكذب وعلله ، وكان من الناس من يخفي تكذيبه ، قال ناصباً علامات المكذب : { ولا تطع } أي في وقت من الأوقات {[67449]}منهم ولا من غيرهم{[67450]} { كل حلاف } أي مبالغ{[67451]} في الاجتراء على الأيمان وإن لم يظهر لك تكذيبه ، وليس المراد النهي عن العموم بل عموم النهي ، أي انته عن كل حلاف ، فالنهي أصل والكل وارد عليه ، كما تقدم{[67452]} تخريج مثله في آخر البقرة في قوله تعالى :

{ والله لا يحب كل كفار أثيم }[ البقرة : 276 ] وهذه الأوصاف متفرخة من الكذب وخبث السجية ، فهي كالتفصيل ، فكثرة الحلف دالة على فساد القوة العلمية ، فنشأ عنها سقوط تعظيم الحق ، فصار صاحبها لا يعرف معروفاً ولا ينكر منكراً ، فلذلك يحلف صادقاً وكاذباً كيفما اتفق ، { مهين * } أي حقير ضعيف وضيع سافل الهمة والمروءة سافل الرأي ، لأن الإنسان لا يكثر الحلف إلا وهو يتصور في نفسه أنه لا يصدق إلا بذلك ، لأنه ليس له من المهابة عند من يحدثه والجلالة ما يصدقه بسببه ، وهو مؤثر للبطالة لما فيها من موافقة طبعه ، وذلك هو الحقارة الكبرى{[67453]} .


[67448]:- من ظ وم، وفي الأصل: نهى.
[67449]:- سقط ما بين الرقمين من ظ وم.
[67450]:- سقط ما بين الرقمين من ظ وم.
[67451]:- من ظ وم، وفي الأصل: بالغ.
[67452]:- زيد في ظ وم: ويخرجه كما تقدم.
[67453]:- سقط من ظ وم.