مفاتيح الغيب للرازي - الفخر الرازي  
{وَلَا تُطِعۡ كُلَّ حَلَّافٖ مَّهِينٍ} (10)

واعلم أنه تعالى لما نهاه عن طاعة المكذبين ، وهذا يتناول النهي عن طاعة جميع الكفار إلا أنه أعاد النهي عن طاعة من كان من الكفار موصوفا بصفات مذمومة وراء الكفر . وتلك الصفات هي هذه :

الصفة الأولى : كونه حلافا ، والحلاف من كان كثير الحلف في الحق والباطل ، وكفى به مزجرة لمن اعتاد الحلف ومثله قوله : { ولا تجعلوا الله عرضة لأيمانكم } .

الصفة الثانية : كونه مهينا ، قال الزجاج : هو فعيل من المهانة ، ثم فيه وجهان ( أحدهما ) أن المهانة هي القلة والحقارة في الرأي والتمييز ( والثاني ) أنه إنما كان مهينا لأن المراد الحلاف في الكذب ، والكذاب حقير عند الناس . وأقول : كونه حلافا يدل على أنه لا يعرف عظمة الله تعالى وجلاله ، إذ لو عرف ذلك لما أقدم في كل حين وأوان بسبب كل باطل على الاستشهاد باسمه وصفته ومن لم يكن عالما بعظمة الله وكان متعلق القلب بطلب الدنيا كان مهينا ، فهذا يدل على أن عزة النفس لا تحصل إلا لمن عرف نفسه بالعبودية ، وأن مهانتها لا تحصل إلا لمن غفل عن سر العبودية .