الدر المصون في علم الكتاب المكنون للسمين الحلبي - السمين الحلبي  
{وَلَا تُطِعۡ كُلَّ حَلَّافٖ مَّهِينٍ} (10)

قوله : { مَّهِينٍ هَمَّازٍ } : تقدَّم تفسيرُ مهين في الزخرف . والهمَّازُ : مثالُ مبالغةٍ مِنْ الهَمْزِ وهو في اللغةِ الضَرْبُ طعناً باليدِ والعَصا ونحوِها ، واسْتُعير للعَيَّاب الذي يَعيب على الناسِ كأنه يَضْرِبُهم . والنَّميم قيل : مصدرٌ كالنميمة . وقيل : هو جَمْعُها ، أي : اسمُ جنسٍ كتمرة وتَمر . وهو نَقْلُ الكلامِ الذي يسوء سامعَه ويُحَرِّشُ بين الناس . وقال الزمخشري : " والنميمُ والنَّميمة السِّعايةُ ، وأنشدني بعضُ العرب :

تَشَبَّبي تَشَبُّبَ النَّميمهْ *** تَمشي بها زَهْراً إلى تميمهْ

والمَشَّاء : مثالُ مبالغةٍ مِنْ المَشْيِ ، أي : يُكْثِرُ السِّعايةَ بين الناس . والعُتُلُّ : الذي يَعْتِلُ الناسَ ، أي : يَحْملهم ويَجُرُّهم إلى ما يَكْرهون مِنْ حبسٍ وضَرْبٍ . ومنه { خُذُوهُ فَاعْتِلُوهُ } [ الدخان : 47 ] . وقيل : العُتُلُّ : الشديد الخُصومة . وقال أبو عبيدة : " هو الفاحِشُ اللئيم ، وأنشد :

بعُتُلٍّ مِنْ الرِّجالِ زَنِيمٍ *** غيرِ ذي نَجْدةٍ وغيرِ كريمِ

وقيل " : الغليظُ الجافي . ويقال : عَتَلْتُه وعَتَنْتُه باللام والنونِ ، نَقَله يعقوب . والزنيم : الدَّعِيُّ يُنْسَبُ إلى قومٍ ليس منهم . قال حسان :

زَنيمٌ تَداعاه الرجالُ زيادةً *** كما زِيدَ في عَرْضِ الأديمِ الأكارِعُ

وقال أيضاً :

وأنتَ زَنيمٌ نِيطَ في آل هاشمٍ *** كما نِيطَ خلفَ الرَّاكبِ القَدَحُ الفَرْدُ

وأصلُه مِنْ الزَّنَمَةِ : وهي ما بقي مِنْ جلْدِ الماعز مُعَلَّقاً في حِلَقِها يُتْرَكُ عند القَطْع فاستعير للدَّعِيِّ ، لأنه كالمُعَلَّقِ بما ليس منه . وقرأ الحسنُ " عُتُلٌّ " بالرفع على : هو عُتُلٌّ . وحقُّه أَنْ يُقْرَأَ ما بعدَه بالرفع أيضاً ، لأنهم قالوا في القَطْع : إنه يبدأ بالإِتباع ثم بالقطع مِنْ غير عكسٍ . وقوله " بعد ذلك " ، أي : بعدما وَصَفْناه به . قال ابن عطية : " فهذا الترتيبُ إنما هو في قولِ الواصفِ لا في حصولِ تلك الصفاتِ في الموصوفِ ، وإلاَّ فكونُ عُتُلاً هو قبل/ كونِه صاحبَ خير يمنعُه " . وقال الزمخشري : " بعد ذلك ، بعد ما عُدَّ له مِنْ المثالبِ والنقائصِ " ، ثم قال : " جَعَلَ جفاءَه ودَعْوَتَه أشدَّ مُعايَبةً ؛ لأنه إذا غَلُظَ وجفا طَبْعُه قسَا قلبُه واجْتَرَأَ على كلِّ معصيةٍ " .