قوله تعالى : " والناشطات نشطا " قال ابن عباس : يعني الملائكة تنشط نفس المؤمن فتقبضها كما ينشط العقال من يد البعير : إذا حل عنه . وحكى هذا القول الفراء ثم قال : والذي سمعت من العرب أن يقولوا أنشطت وكأنما أنشط من عقال . وربطها نشطها والرابط الناشط ، وإذا ربطت الحبل في يد البعير فقد نشطته ، فأنت ناشط ، وإذا حللته فقد أنشطته وأنت منشط . وعن ابن عباس أيضا : هي أنفس المؤمنين عند الموت تنشط للخروج ، وذلك أنه ما من مؤمن [ يحضره الموت ]{[15765]} إلا وتعرض عليه الجنة قبل أن يموت ، فيرى فيها ما أعد الله له من أزواجه وأهله من الحور العين ، فهم يدعونه إليها ، فنفسه إليهم نشطة أن تخرج فتأتيهم . وعنه أيضا قال : يعني أنفس الكفار والمنافقين تنشط كما ينشط العقب ، الذي يعقب به السهم . والعقب بالتحريك : العصب الذي تعمل منه الأوتار ، الواحدة عقبة ، تقول منه : عقب السهم والقدح والقوس عقبا : إذا لوى شيئا منه عليه . والنشط : الجذب بسرعة ، ومنه الأنشوطة : عقدة يسهل انحلالها إذا جذبت مثل عقدة التكة . وقال أبو زيد : نشطت الحجل أنشطة نشطا : عقدته بأنشوطة ، وأنشطته أي حللته ، وأنشطت الحبل أي مددته حتى ينحل . وقال الفراء : أنشط العقال أي حل ، ونشط : أي ربط الحبل في يديه . وقال الليث : أنشطته بأنشوطة وأنشوطتين أي أوثقته ، وأنشطت العقال : أي مددت أنشوطته فانحلت . قال : ويقال نشط بمعنى أنشط ، لغتان بمعنى ، وعليه يصح قول ابن عباس المذكور أولا .
وعنه أيضا : الناشطات الملائكة لنشاطها ، تذهب وتجيء بأمر الله حيثما كان . وعنه أيضا وعن علي رضي الله عنهما : هي الملائكة تنشط أرواح الكفار ، ما بين الجلد والأظفار ، حتى تخرجها من أجوافهم نشطا بالكرب والغم ، كما تنشط الصوف من سفود الحديد ، وهي من النشط بمعنى الجذب ، يقال : نشطت الدلو أنشطها بالكسر ، وأنشطها بالضم : أي نزعتها .
قال الأصمعي : بئر أنشاط : أي قريبة القعر ، تخرج الدلو منها بجذبة واحدة . وبئر نشوط . قال : وهي التي لا يخرج منها الدلو حتى تنشط كثيرا . وقال مجاهد : هو الموت ينشط نفس الإنسان . السدي : هي النفوس حين تنشط من القدمين . وقيل : النازعات : أيدي الغزاة أو أنفسهم ، تنزع القسي بإغراق السهام ، وهي التي تنشط الأوهاق{[15766]} . عكرمة وعطاء : هي الأوهاق تنشط السهام . وعن عطاء أيضا وقتادة والحسن والأخفش : هي النجوم تنشط من أفق إلى أفق : أي تذهب . وكذا في الصحاح . " والناشطات نشطا " يمني النجوم من برج إلى برج ، كالثور الناشط من بلد إلى بلد . والهموم تنشط بصاحبها . قال هميان بن قحافة :
أمستْ همومي تَنْشِطُ المَنَاشِطَا *** الشامَ بي طورا وطورا واسِطَا
أبو عبيدة وعطاء أيضا : الناشطات : هي الوحش حين تنشط من بلد إلى بلد ، كما أن الهموم تنشط الإنسان من بلد إلى بلد ، وأنشد قول هميان :
وقيل : " والنازعات " للكافرين " والناشطات " للمؤمنين ، فالملائكة يجذبون روح المؤمن برفق ، والنزع جذب بشدة ، والنشط جذب برفق . وقيل : هما جميعا للكفار والآيتان بعدهما للمؤمنين عند فراق الدنيا .
اختلف في معنى النازعات والناشطات والسابقات والسابحات والمدبرات ، فقيل : إنها الملائكة وقيل : النجوم ، فعلى القول بأنها الملائكة سماهم نازعات لأنهم ينزعون نفوس بني آدم من أجسادهم وناشطات لأنهم ينشطونها أي : يخرجونها فهو من قولك : نشطت الدلو من البئر إذا أخرجتها وسابحات لأنهم يسبحون في سيرهم أي : يسرعون فيسبقون فيدبرون أمور العباد والرياح والمطر وغير ذلك حسبما يأمرهم الله وعلى القول بأنها النجوم سماها نازعات لأنها تنزع من المشرق إلى المغرب وناشطات لأنها تنشط من برج إلى برج وسابحات لأنها تسبح في الفلك ومنه { كل في فلك يسبحون } [ الأنبياء : 33 ] فتسبق في جريها فتدبر أمرا من علم الحساب ، وقال ابن عطية : لا أعلم خلافا أن المدبرات أمرا الملائكة وحكى الزمخشري فيها ما ذكرنا وقد قيل : في النازعات والناشطات أنها النفوس تنزع من معنى النزع بالموت فتنشط من الأجساد ، وقيل : في السابحات والسابقات أنها الخيل وأنها السفن .
{ غرقا } إن قلنا النازعات الملائكة ففي معنى غرقا وجهان :
أحدهما : أنها من الغرق أي : تغرق الكفار في جهنم .
والآخر : أنه من الإغراق في الأمر بمعنى المبالغة فيه أي : تبالغ في نزعها فتقطع الفلك كله ، وإن قلنا إنها النفوس فهو أيضا من الإغراق أي : تغرق في الخروج من الجسد والإعراب غرقا مصدر في موضع الحال ، ونشطا وسبحا وسبقا مصادر ، وأمرا مفعول به ، وجواب القسم محذوف وهو بعث الموتى بدلالة ما بعده عليه من ذكر القيامة ، وقيل : الجواب يوم ترجف الراجفة تتبعها الرادفة على تقدير حذف لام التأكيد ، وقيل : هو { إن في ذلك لعبرة لمن يخشى } [ النازعات : 26 ] وهذا بعيد لبعده عن القسم ولأنه إشارة إلى قصة فرعون لا لمعنى القسم .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.