في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{وَجَعَلۡنَا مِنۡهُمۡ أَئِمَّةٗ يَهۡدُونَ بِأَمۡرِنَا لَمَّا صَبَرُواْۖ وَكَانُواْ بِـَٔايَٰتِنَا يُوقِنُونَ} (24)

فإن اللقاء على الحق الثابت ، والعقيدة الواحدة ، هو الذي يستحق الذكر ، والذي ينسلك في سياق التثبيت على ما يلقاه النبي [ صلى الله عليه وسلم ] من التكذيب والإعراض ، ويلقاه المسلمون من الشدة واللأواء . وكذلك هو الذي يتسق مع ما جاء بعده في الآية : ( وجعلنا منهم أئمة يهدون بأمرنا لما صبروا وكانوا بآياتنا يوقنون ) . . للإيحاء للقلة المسلمة يومذاك في مكة أن تصبر كما صبر المختارون من بني إسرائيل ، وتوقن كما أيقنوا ، ليكون منهم أئمة للمسلمين كما كان أولئك أئمة لبني إسرائيل . ولتقرير طريق الإمامة والقيادة ، وهو الصبر واليقين .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{وَجَعَلۡنَا مِنۡهُمۡ أَئِمَّةٗ يَهۡدُونَ بِأَمۡرِنَا لَمَّا صَبَرُواْۖ وَكَانُواْ بِـَٔايَٰتِنَا يُوقِنُونَ} (24)

{ وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ } أي : من بني إسرائيل { أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا } أي : علماء بالشرع ، وطرق الهداية ، مهتدين في أنفسهم ، يهدون غيرهم بذلك الهدى ، فالكتاب الذي أنزل إليهم ، هدى ، والمؤمنون به منهم ، على قسمين : أئمة يهدون بأمر اللّه ، وأتباع مهتدون بهم .

والقسم الأول أرفع الدرجات بعد درجة النبوة والرسالة ، وهي درجة الصديقين ، وإنما نالوا هذه الدرجة العالية بالصبر على التعلم والتعليم ، والدعوة إلى اللّه ، والأذى في سبيله ، وكفوا أنفسهم عن جماحها في المعاصي ، واسترسالها في الشهوات .

{ وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ } أي : وصلوا في الإيمان بآيات اللّه ، إلى درجة اليقين ، وهو العلم التام ، الموجب للعمل ، وإنما وصلوا إلى درجة اليقين ، لأنهم تعلموا تعلمًا صحيحًا ، وأخذوا المسائل عن أدلتها المفيدة لليقين .

فما زالوا يتعلمون المسائل ، ويستدلون عليها بكثرة الدلائل ، حتى وصلوا لذاك ، فبالصبر واليقين ، تُنَالُ الإمامة في الدين .

 
الجامع لأحكام القرآن للقرطبي - القرطبي [إخفاء]  
{وَجَعَلۡنَا مِنۡهُمۡ أَئِمَّةٗ يَهۡدُونَ بِأَمۡرِنَا لَمَّا صَبَرُواْۖ وَكَانُواْ بِـَٔايَٰتِنَا يُوقِنُونَ} (24)

" وجعلنا منهم أئمة " أي قادة وقدوة يقتدى بهم في دينهم . والكوفيون يقرؤون " أئمة " النحاس : وهو لحن عند جميع النحويين ؛ لأنه جمع بين همزتين في كلمه واحدة ، وهو من دقيق النحو .

وشرحه : أن الأصل " أأْمِمَة " ثم ألقيت حركة الميم على الهمزة وأدغمت الميم ، وخففت الهمزة الثانية لئلا يجتمع همزتان ، والجمع بين همزتين في حرفين بعيد ، فأما في حرف واحد فلا يجوز إلا تخفيف الثانية نحو قولك : آدم وآخر . ويقال : هذا أوم من هذا وأيّم ، بالواو والياء . وقد مضى هذا في " التوبة " {[12684]} والله تعالى أعلم . " يهدون بأمرنا " أي يدعون الخلق إلى طاعتنا . " بأمرنا " أي أمرناهم بذلك . وقيل : " بأمرنا " أي لأمرنا ، أي يهدون الناس لديننا . ثم قيل : المراد الأنبياء عليهم السلام . قاله قتادة . وقيل : المراد الفقهاء والعلماء . " لما صبروا " قراءة العامة " لما " بفتح اللام وتشديد الميم وفتحها ، أي حين صبروا . وقرأ يحيى وحمزة والكسائي وخلف ورويس عن يعقوب : " لما صبروا " أي لصبرهم جعلناهم أئمة . واختاره أبو عبيد اعتبارا بقراءة ابن مسعود " بما صبروا " بالباء . وهذا الصبر صبر على الدين وعلى البلاء . وقيل : صبروا عن الدنيا .


[12684]:راجع ج 8 ص 84 فما بعد.