فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{وَجَعَلۡنَا مِنۡهُمۡ أَئِمَّةٗ يَهۡدُونَ بِأَمۡرِنَا لَمَّا صَبَرُواْۖ وَكَانُواْ بِـَٔايَٰتِنَا يُوقِنُونَ} (24)

واختلف في الضمير في قوله : { وجعلناه } فقيل : هو راجع إلى الكتاب ، أي جعلنا التوراة هدى لبني إسرائيل ، قاله الحسن وغيره . وقال قتادة : إنه راجع إلى موسى ، أي وجعلنا موسى هدى لبني إسرائيل .

{ وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً } أي قادة يقتدون به في دينهم ، وقرأ الكوفيون : { أئمة } قال النحاس : وهو لحن عند جميع النحويين ، لأنه جمع بين همزتين في كلمة واحدة ، ومعنى { يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا } أي يدعونهم إلى الهداية بما يلقونه إليه من أحكام التوراة ومواعظها بأمرنا ، أي بأمرنا لهم بذلك ، أو لأجل أمرنا . وقال قتادة : المراد بالأئمة : الأنبياء منهم . وقيل : العلماء { لَمَّا صَبَرُواْ } قرأ الجمهور { لما } بفتح اللام وتشديد الميم ، أي حين صبروا ، والضمير للأئمة ، وفي { لما } معنى : الجزاء ، والتقدير : لما صبروا جعلناهم أئمة . وقرأ حمزة والكسائي وخلف وورش عن يعقوب ويحيى بن وثاب بكسر اللام وتخفيف الميم ، أي جعلناهم أئمة لصبرهم ، واختار هذه القراءة أبو عبيد مستدلاً بقراءة ابن مسعود : " بما صبروا " بالباء ، وهذا الصبر هو صبرهم على مشاقّ التكليف والهداية للناس ، وقيل : صبروا عن الدنيا { وَكَانُواْ بئاياتنا } التنزيلية { يُوقِنُونَ } أي يصدّقونها ، ويعلمون أنها حق ، وأنها من عند الله ؛ لمزيد تفكرهم ، وكثرة تدبرهم .

/خ30