الجامع لأحكام القرآن للقرطبي - القرطبي  
{وَجَعَلۡنَا مِنۡهُمۡ أَئِمَّةٗ يَهۡدُونَ بِأَمۡرِنَا لَمَّا صَبَرُواْۖ وَكَانُواْ بِـَٔايَٰتِنَا يُوقِنُونَ} (24)

" وجعلنا منهم أئمة " أي قادة وقدوة يقتدى بهم في دينهم . والكوفيون يقرؤون " أئمة " النحاس : وهو لحن عند جميع النحويين ؛ لأنه جمع بين همزتين في كلمه واحدة ، وهو من دقيق النحو .

وشرحه : أن الأصل " أأْمِمَة " ثم ألقيت حركة الميم على الهمزة وأدغمت الميم ، وخففت الهمزة الثانية لئلا يجتمع همزتان ، والجمع بين همزتين في حرفين بعيد ، فأما في حرف واحد فلا يجوز إلا تخفيف الثانية نحو قولك : آدم وآخر . ويقال : هذا أوم من هذا وأيّم ، بالواو والياء . وقد مضى هذا في " التوبة " {[12684]} والله تعالى أعلم . " يهدون بأمرنا " أي يدعون الخلق إلى طاعتنا . " بأمرنا " أي أمرناهم بذلك . وقيل : " بأمرنا " أي لأمرنا ، أي يهدون الناس لديننا . ثم قيل : المراد الأنبياء عليهم السلام . قاله قتادة . وقيل : المراد الفقهاء والعلماء . " لما صبروا " قراءة العامة " لما " بفتح اللام وتشديد الميم وفتحها ، أي حين صبروا . وقرأ يحيى وحمزة والكسائي وخلف ورويس عن يعقوب : " لما صبروا " أي لصبرهم جعلناهم أئمة . واختاره أبو عبيد اعتبارا بقراءة ابن مسعود " بما صبروا " بالباء . وهذا الصبر صبر على الدين وعلى البلاء . وقيل : صبروا عن الدنيا .


[12684]:راجع ج 8 ص 84 فما بعد.