( فإن يصبروا فالنار مثوى لهم ) . .
يا للسخرية ! فالصبر الآن صبر على النار ؛ وليس الصبر الذي يعقبه الفرج وحسن الجزاء . إنه الصبر الذي جزاؤه النار قراراً ومثوى يسوء فيه الثواء !
( وإن يستعتبوا فما هم من المعتبين ) . .
فما عاد هناك عتاب ، وما عاد هناك متاب . وقد جرت العادة أن الذي يطلب العتاب يطلب من ورائه الصفح والرضى بعد إزالة أسباب الجفاء . فاليوم يغلق الباب في وجه العتاب . لا الصفح والرضى الذي يعقب العتاب !
{ فَإِنْ يَصْبِرُوا فَالنَّارُ مَثْوًى لَهُمْ } فلا جَلَدَ عليها ، ولا صبر ، وكل حالة قُدِّر إمكان الصبر عليها ، فالنار لا يمكن الصبر عليها ، وكيف الصبر على نار ، قد اشتد حرها ، وزادت على نار الدنيا ، بسبعين ضعفًا ، وعظم غليان حميمها ، وزاد نتن صديدها ، وتضاعف برد زمهريرها وعظمت سلاسلها وأغلالها ، وكبرت مقامعها ، وغلظ خُزَّانها ، وزال ما في قلوبهم من رحمتهم ، وختام ذلك سخط الجبار ، وقوله لهم حين يدعونه ويستغيثون : { اخْسَئُوا فِيهَا وَلَا تُكَلِّمُونِ }
{ وَإِنْ يَسْتَعْتِبُوا } أي : يطلبوا أن يزال عنهم العتب ، ويرجعوا إلى الدنيا ، ليستأنفوا العمل . { فَمَا هُمْ مِنَ الْمُعْتَبِينَ } لأنه ذهب وقته ، وعمروا ، ما يعمر فيه من تذكر وجاءهم النذير وانقطعت حجتهم ، مع أن استعتابهم ، كذب منهم { وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ }
قوله تعالى : " فإن يصبروا فالنار مثوى لهم " أي فإن يصبروا في الدنيا على أعمال أهل النار فالنار مثوى لهم . نظيره : " فما أصبرهم على النار " [ البقرة : 175 ] على ما تقدم{[13434]} . " وإن يستعتبوا فما هم من المعتبين " في الدنيا وهم مقيمون على كفرهم " فما هم من المعتبين " . وقيل : المعنى " فإن يصبروا " في النار أو يجزعوا " فالنار مثوى لهم " أي لا محيص لهم عنها ، ودل على الجزع قوله : " وإن يستعتبوا " لأن المستعتب جزع والمعتب المقبول عتابه . قال النابغة :
فإن أكُ مظلومًا فعبدٌ ظلمتَه *** وإن تكُ ذا عُتْبَى فمثلُك يُعْتِبُ
أي مثلك من قبل الصلح والمراجعة إذا سئل . قال الخليل : العتاب مخاطبة الإدلال ومذاكرة الموجدة . تقول : عاتبته معاتبة ، وبينهم أعتوبة يتعاتبون بها . يقال : إذا تعاتبوا أصلح ما بينهم العتاب . وأعتبني فلان : إذا عاد إلى مسرتي راجعا عن الإساءة ، والاسم منه العتبى ، وهو رجوع المعتوب عليه إلى ما يرضي العاتب . واستعتب وأعتب بمعنى ، واستعتب أيضا طلب أن يعتب ، تقول : استعتبته فأعتبني أي استرضيته فأرضاني . فمعنى " وإن يستعتبوا " أي طلبوا الرضا لم ينفعهم ذلك بل لا بد لهم من النار . وفي التفاسير : وإن يستقيلوا ربهم فما هم من المقالين . وقرأ عبيد بن عمير وأبو العالية " وإن يستعتبوا " بفتح التاء الثانية وضم الياء على الفعل المجهول " فما هم من المعتبين " بكسر التاء أي إن أقالهم الله وردهم إلى الدنيا لم يعملوا بطاعته لما سبق لهم في علم الله من الشقاء ، قال الله تعالى : " ولو ردوا لعادوا لما نهوا عنه " [ الأنعام : 28 ] ذكره الهروي . وقال ثعلب : يقال أعتب إذا غضب وأعتب إذا رضي .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.