في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{يَوۡمَ تُبۡلَى ٱلسَّرَآئِرُ} (9)

فهذه النشأة البالغة الدقة والحكمة تذهب كلها عبثا إذا لم تكن هناك رجعة لتختبر السرائر وتجزى جزاءها العادل : ( يوم تبلى السرائر ) . . السرائر المكنونة ، المطوية على الأسرار المحجوبة . . يوم تبلى وتختبر ، وتتكشف وتظهر كما ينفذ الطارق من خلال الظلام الساتر

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{يَوۡمَ تُبۡلَى ٱلسَّرَآئِرُ} (9)

{ يَوْمَ تُبْلَى السَّرَائِرُ } أي : تختبر سرائر الصدور ، ويظهر ما كان في القلوب من خير وشر على صفحات الوجوه قال تعالى : { يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ } ففي الدنيا ، تنكتم كثير من الأمور ، ولا تظهر عيانًا للناس ، وأما في القيامة ، فيظهر بر الأبرار ، وفجور الفجار ، وتصير الأمور علانية .

 
الوجيز في تفسير الكتاب العزيز للواحدي - الواحدي [إخفاء]  
{يَوۡمَ تُبۡلَى ٱلسَّرَآئِرُ} (9)

{ يوم تبلى السرائر } يعني يوم القيامة وفي ذلك اليوم تختبر السرائر وهي الفرائض التي هي سرائر بين العبد وربه كالصلاة والصوم وغسل الجنابة ولو شاء العبد أن يقول فعلت ذلك ولم يفعله أمكنه فهي سرائر العبد وانما تبين وتظهر صحتها وأمانة العبد فيها يوم القيامة

 
الجامع لأحكام القرآن للقرطبي - القرطبي [إخفاء]  
{يَوۡمَ تُبۡلَى ٱلسَّرَآئِرُ} (9)

فيه مسألتان :

الأولى- العامل في " يوم " - وفي قول من جعل المعنى إنه على بعث الإنسان - قوله " لقادر " ، ولا يعمل فيه " رجعه " لما فيه من التفرقة بين الصلة والموصول بخبر " إن " . وعلى الأقوال الأخر التي في " إنه على رجعه لقادر " ، يكون العامل في " يوم " فعل مضمر ، ولا يعمل فيه " لقادر " ؛ لأن المراد في الدنيا . و " تبلى " أي تمتحن وتختبر . وقال أبو الغول الطهوي{[15943]} :

ولا تَبْلَى بَسَالَتُهُم وإن هُمْ *** صَلُوا بالحَرْبِ حينًا بعد حِينِ

ويروى تبلى بسالتهم . فمن رواه " تبلى " - بضم التاء - جعله من الاختبار ، وتكون البسالة على هذه الرواية الكراهة ، كأنه قال : لا يعرف لهم فيها كراهة . و " تبلى " تعرف . وقال الراجز :

قد كنتَ قبلَ اليومِ تَزْدَرِينِي *** فاليومَ أبلُوكَ وتَبْتَلِينِي

أي أعرفك وتعرفني . ومن رواه " تبلى " - بفتح التاء - فالمعنى : أنهم لا يضعفون عن الحرب وإن تكررت عليهم زمانا بعد زمان . وذلك أن الأمور الشداد إذا تكررت على الإنسان هدته وأضعفته . وقيل : " تبلى السرائر " : أي تخرج مخبآتها وتظهر ، وهو كل ما كان استسره الإنسان من خير أو شر ، وأضمره من إيمان أو كفر ، كما قال الأحوص :

سيبقَى{[15944]} لها في مُضْمَرِ القلبِ والحَشَا *** سريرة ودّ يوم تُبْلَى السرائرُ

الثانية- روي عن النبي صلى اللّه عليه وسلم أنه قال : ( ائتمن اللّه تعالى خلقه على أربع : على الصلاة ، والصوم ، والزكاة ، والغسل ، وهي السرائر التي يختبرها اللّه عز وجل يوم القيامة ) . ذكره المهدوي . وقال ابن عمر قال النبي صلى اللّه عليه وسلم : ( ثلاث من حافظ عليها فهو ولي اللّه حقا ، ومن اختانهن فهو عدو اللّه حقا : الصلاة ، والصوم ، والغسل من الجنابة ) ذكره الثعلبي . وذكر الماوردي عن زيد ابن أسلم : قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم : ( الأمانة ثلاث : الصلاة والصوم ، والجنابة . استأمن اللّه عز وجل ابن آدم على الصلاة ، فإن شاء قال صليت ولم يصل . استأمن اللّه عز وجل ابن آدم على الصوم ، فإن شاء قال صمت ولم يصم . استأمن اللّه عز وجل ابن آدم على الجنابة ، فإن شاء قال اغتسلت ولم يغتسل ، اقرؤوا إن شئتم " يوم تبلى السرائر " ) ، وذكره الثعلبي عن عطاء . وقال مالك في رواية أشهب عنه ، وسألته عن قوله تعالى : " يوم تبلى السرائر " : أبلغك أن الوضوء من السرائر ؟ قال : قد بلغني ذلك فيما يقول الناس ، فأما حديث أحدث{[15945]} به فلا . والصلاة من السرائر ، والصيام من السرائر ، إن شاء قال صليت ولم يصل . ومن السرائر ما في القلوب ، يجزي اللّه به العباد . قال ابن العربي : قال ابن مسعود يغفر للشهيد إلا الأمانة ، والوضوء من الأمانة ، والصلاة والزكاة من الأمانة ، والوديعة من الأمانة ، وأشد ذلك الوديعة ، تمثل له على هيئتها يوم أخذها ، فيرمي بها في قعر جهنم ، فيقال له : أخرجها ، فيتبعها فيجعلها في عنقه ، فإذا رجا أن يخرج بها زلت منه ، فيتبعها ، فهو كذلك دهر الداهرين . وقال أبي بن كعب : من الأمانة أن ائتمنت المرأة على فرجها . قال أشهب : قال لي سفيان : في الحيضة والحمل ، إن قالت لم أحض وأنا حامل صدقت ، ما لم تأت بما يعرف فيه أنها كاذبة . وفي الحديث : [ غسل الجنابة من الأمانة ] . وقال ابن عمر : يبدي اللّه يوم القيامة كل سر خفي ، فيكون زينا في الوجوه ، وشينا في الوجوه . واللّه عالم بكل شيء ، ولكن يظهر علامات الملائكة والمؤمنين .


[15943]:هو شاعر إسلامي، منسوب إلى "طهية"، بضم الطاء، وهي أم قبيلة من العرب.
[15944]:كذا ورد في بعض نسخ الأصل و (وخزانة الأدب جـ 1 ص 322) وفي بعض نسخ الأصل، والشعر والشعراء، و (كتاب الأغاني ج، 4 ص 242 طبع دار الكتب المصرية): "ستبلى لكم . . . ".
[15945]:في ابن العربي: "أخذته".
 
التسهيل لعلوم التنزيل، لابن جزي - ابن جزي [إخفاء]  
{يَوۡمَ تُبۡلَى ٱلسَّرَآئِرُ} (9)

{ يوم تبلى السرائر } يعني : يوم القيامة ، والسرائر جمع سريرة وهي ما أسر العبد في قلبه من العقائد والنيات ، وما أخفى من الأعمال وبلاؤها هو تعرفها والاطلاع عليها ، وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم : " أن السرائر الإيمان والصلاة والزكاة والغسل من الجنابة " وهذه معظمها فلذلك خصها بالذكر ، والعامل في { يوم } قوله : { رجعه } أي : يرجعه يوم تبلى السرائر ، واعترض بالفصل بينهما وأجيب بقوة المصدر في العمل ، وقيل : العامل قادر واعترض بتخصيص القدرة بذلك اليوم وهذا لا يلزم لأن القدرة وإن كانت مطلقة فقد أخبر الله أن البعث إنما يقع في ذلك اليوم ، وقال : من احترز من الاعتراضين في القولين المتقدمين : العامل فعل مضمر من المعنى تقديره يرجعه يوم تبلى السرائر ، وهذا كله على المعنى الصحيح في رجعه ، وأما على الأقوال الأخر فالعامل في يوم مضمر تقديره اذكر .

 
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي [إخفاء]  
{يَوۡمَ تُبۡلَى ٱلسَّرَآئِرُ} (9)

ولما كان هذا يحرك السامع غاية التحريك لأن يقول : متى تكون رجعه له ؟ قال مجيباً له : { يوم تبلى } وبناه{[72703]} للمفعول إشارة مع التنبيه على السهولة إلى أن-{[72704]} من{[72705]} الأمر البين غاية البيان أن الذي يبلوها{[72706]} هو الذي يرجعها ، وهو الله سبحانه وتعالى من غير احتياج إلى ذكره{[72707]} { السرائر * } أي كل ما انطوت عليه الصدور من العقائد والنيات ، و{[72708]}أخفته الجوارح من الإخلال{[72709]} بالوضوء والغسل ونحو ذلك من جميع الجنايات ، بأن تخالط السرائر في ذلك اليوم ، وهو يوم القيامة ، من الأمور الهائلة ما يميلها{[72710]} فيحيلها عما هي عليه فتعود جهراً{[72711]} بعد أن كانت سراً ، فيميز طيبها من خبيثها ويجازى عليه صاحبه .


[72703]:زيد في الأصل و ظ: بين، ولم تكن الزيادة في م فحذفناها.
[72704]:زيد من ظ و م.
[72705]:زيد في الأصل و ظ: بين، ولم تكن الزيادة في م فحذفناها.
[72706]:من ظ و م، وفي الأصل: يتلوها.
[72707]:من م، وفي الأصل و ظ: ذكر.
[72708]:من ظ و م، وفي الأصل: ثم.
[72709]:من ظ و م، وفي الأصل: الأخلاط.
[72710]:من ظ و م، وفي الأصل: يجبها.
[72711]:زيد في الأصل: وعلانية، ولم تكن الزيادة في ظ و م فحذفناها.