وهو المشرف على هذا الكون الحافظ لمن فيه وما فيه :
( رب السماوات والأرض وما بينهما . إن كنتم موقنين ) . .
فما ينزله للناس يربيهم به ، هو طرف من ربوبيته للكون كله ، وطرف من نواميسه التي تصرف الكون . . والتلويح لهم باليقين في هذا إشارة إلى عقيدتهم المضطربة المزعزعة المهوشة ، إذ كانوا يعترفون بخلق الله للسماوات والأرض ، ثم يتخذون من دونه أرباباً ، مما يشي بغموض هذه الحقيقة في نفوسهم وسطحيتها وبعدها عن الثبات واليقين .
موقنين : تطلبون اليقين وتريدونه ، كما يقال : فلان منجد ، أي : يريد نجدا .
7- { رب السماوات والأرض وما بينهما إن كنتم موقنين } .
أي : الله تعالى أنزل القرآن الكريم في ليلة القدر بأمره سبحانه ، رحمة بعباده ، وأرسل الرسل وأنزل الكتب ، وهو سبحانه رب السماوات والأرض ، وخالقهما ومالكهما وما فيهما ، وما بينهما من الهواء والفضاء والمخلوقات .
{ إن كنتم موقنين } . أي : متحققين في اعترافكم بأن خالق الكون هو الله سبحانه وتعالى ، أو إن كنتم من أهل الإيمان واليقين ، فاعلموا أن الذي أنزل القرآن هو رب السماوات والأرض وما بينهما .
قوله تعالى : " رب السماوات والأرض " قرأ الكوفيون " رب " بالجر . الباقون بالرفع ، ردا على قوله : " إنه هو السميع العليم " . وإن شئت على الابتداء ، والخبر لا إله إلا هو . أو يكون خبر ابتداء محذوف ، تقديره : هو رب السماوات والأرض . والجر على البدل من " ربك " وكذلك : " ربكم ورب آبائكم الأولين " بالجر فيهما ، رواه الشيزري{[13714]} عن الكسائي . الباقون بالرفع على الاستئناف . ثم يحتمل أن يكون هذا الخطاب مع المعترف بأن الله خلق السماوات والأرض ؛ أي إن كنتم موقنين به فاعلموا أن له أن يرسل الرسل ، ويجوز الكتب . ويجوز أن يكون الخطاب مع من لا يعترف أنه الخالق ، أي ينبغي أن يعرفوا أنه الخالق ، وأنه الذي يحيي ويميت . وقيل : الموقن ها هنا هو الذي يريد اليقين ويطلبه ، كما تقول : فلان ينجد ، أي يريد نجدا . ويتهم ، أي يريد تهامة .
ولما ذكر إنزال الكتاب على تلك الحال العظيمة البركة لأجل الإرسال ، وبين أن معظم ثمرة الإرسال{[57280]} الإنذار لما للمرسل إليهم من أنفسهم من التوار ، دل على ذلك من التدبير المحكم الذي اقتضته حكمة التربية فقال : { رب } أي مالك{[57281]} ومنشئ ومدبر { السماوات } أي جميع الأجرام العلوية{[57282]} { والأرض } {[57283]}وما فيها{[57284]} { وما بينهما } مما تشاهدون من هذا الفضاء ، وما فيه من الهواء وغيره ، مما تعلمون من اكتساب العباد ، وغيرهما مما لا تعلمون ، ومن المعلوم أنه ذو العرش والكرسي فعلم بهذا أنه مالك الملك كله .
ولما كانوا مقرين بهذه الربوبية ويأنفون{[57285]} من وصفهم بأنهم غير محققين لشيء يعترفون{[57286]} به ، أشار إلى ما يلزمهم{[57287]} بهذا الإقرار إن كانوا [ كما-{[57288]} ] يزعمون من التحقيق [ فقال-{[57289]} ] : { إن كنتم موقنين * } أي إن كان لكم إيقان{[57290]} بأنه الخالق لما ركز{[57291]} في غرائزكم وجبلاتكم رسوخ العلم الصافي السالم عن شوائب الأكدار من حظوظ النفوس وعوائق{[57292]} العلائق ، فأنتم تعلمون أنه لا بد لهذه الأجرام الكثيفة جداً المتعالي بعضها عن بعض بلا ممسك تشاهدونه مع تغير كل منها{[57293]} بأنواع الغير من رب ، وأنه لا يكون وهي على [ هذا-{[57294]} ] النظام إلا وهو كامل العلم شامل القدرة ، مختار في تدبيره ، حكيم في شأنه كله وجميع تقديره ، وأنه لا يجوز في الحكمة أن يدع من فيها من العلماء{[57295]} العقلاء الذين هم خلاصة ما فيهما هملاً يبغي بعضهم على بعض من غير رسول معلم بأوامره ، وأحكامه وزواجره ، منبه لهم على أنه ما خلق هذا الخلق كله إلا لأجلهم ، ليحذروا سطواته ويقيدوا{[57296]} بالشكر على {[57297]}ما حباهم{[57298]} به من أنواع هباته .