ويعقب على الردع بالوعيد الذي يبذل اليسر عسرا ، والتمهيد مشقة !
وهو تعبير مصور لحركة المشقة . فالتصعيد في الطريق هو أشق السير وأشده إرهاقا . فإذا كان دفعا من غير إرادة من المصعد كان أكثر مشقة وأعظم إرهاقا . وهو في الوقت ذاته تعبير عن حقيقة . فالذي ينحرف عن طريق الإيمان السهل الميسر الودود ، يندب في طريق وعر شاق مبتوت ؛ ويقطع الحياة في قلق وشدة وكربة وضيق ، كأنما يصعد في السماء ، أو يصعد في وعر صلد لا ري فيه ولا زاد ، ولا راحة ولا أمل في نهاية الطريق !
سأكلّفه مشقة من العذاب الذي لا راحة له فيه ، ولعل ذلك يشير إلى عذابه النفسي في الدنيا ، حيث يسير في طريق وعر شاق ، ويقطع الحياة في قلق وشدة وكربة وضيق ، فإذا كان يوم القيامة كلّف بالصعود إلى أعلى جبل في جهنم ، ثم يقذف به من شاهق ، ثم يتكرر ذلك العذاب مع التصعيد في الطريق ، وهو أشقّ السير وأشدّه إرهاقا ، فإذا كان دفعا من غير إرادة من الشخص ، كان أكثر مشقة وأعظم إرهاقا .
{ سأرهقه صعوداً } سأكلفه مشقة من العذاب لا راحة له فيها . وروينا عن أبي سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " الصعود جبل من نار يتصعد فيه الكافر سبعين خريفاً ، ثم يهوي " .
أخبرنا أحمد بن إبراهيم الشريحي ، أنبأنا أبو إسحاق الثعلبي ، أخبرني ابن فنجويه ، حدثنا عمر بن الخطاب ، حدثنا عبد الله بن الفضل ، أنبأنا سنجاب بن الحارث ، أنبأنا شريك ، عن عمار الدهني ، عن عطية ، عن أبي سعيد " عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله : { سأرهقه صعودا } قال : هو جبل في النار من نار يكلف أن يصعده فإذا وضع يده ذابت ، فإذا رفعها عادت فإذا وضع رجله ذابت ، وإذا رفعها عادت " . وقال الكلبي : الصعود : صخرة ملساء في النار يكلف أن يصعدها ، لا يترك أن يتنفس في صعوده ، ويجذب من أمامه بسلاسل من حديد ، ويضرب من خلفه بمقامع من حديد ، فيصعدها في أربعين عاماً ، فإذا بلغ ذروتها أحدر إلى أسفلها ، ثم يكلف أن يصعدها ويجذب من أمامه ويضرب من خلفه فذلك دأبه أبداً . ً
قوله تعالى : " سأرهقه " أي سأكلفه . وكان ابن عباس يقول : سألجئه ، والإرهاق في كلام العرب : أن يحمل الإنسان على الشيء . " صعودا " ( الصعود : جبل من نار يتصعد فيه سبعين خريفا ثم يهوي كذلك فيه أبدا ) رواه أبو سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم ، خرجه الترمذي وقال فيه حديث غريب . وروى عطية عن أبي سعيد قال : صخرة في جهنم إذا وضعوا عليها أيديهم ذابت فإذا رفعوها عادت ، قال : فيبلغ أعلاها في أربعين سنة يجذب من أمامه بسلاسل ويضرب من خلفه بمقامع ، حتى إذا بلغ أعلاها رمى به إلى أسفلها ، فذلك دأبه أبدا . وقد مضى هذا المعنى في سورة " قل أوحي{[15572]} " [ الجن : 1 ] وفي التفسير : أنه صخرة ملساء يكلف صعودها فإذا صار في أعلاها حدر في جهنم ، فيقوم يهوي ألف عام من قبل أن يبلغ قرار جهنم ، يحترق في كل يوم سبعين مرة ثم يعاد خلقا جديدا . وقال ابن عباس : المعنى سأكلفه مشقة من العذاب لا راحة له فيه ونحوه عن الحسن وقتادة . وقيل : إنه تصاعد نفسه للنزع وإن لم يتعقبه موت ، ليعذب من داخل جسده كما يعذب من خارجه .
ولما كان هذا محراً للتشوف إلى{[69768]} بيان هذا الردع ، وكان العناد غلظة في الطبع وشكاسة في الخلق يوجب{[69769]} النكد والمشقة جعل جزاءه{[69770]} من جنسه فقال : { سأرهقه } أي ألحقه بعنف وغلظة وقهر إلحاقاً يغشاه ويحيط به بوعيد لا خلف فيه { صعوداً * } {[69771]}أي شيئاً{[69772]} من الدواهي والأنكاد كأنه عقبة ، فإن الصعود لغة العقبة شاق المصعد جداً ، وروى الترمذي{[69773]} عن أبي سعيد رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه جبل من نار يتصعد فيه سبعين خريفاً ثم يهوي ، وفي رواية{[69774]} : أنه كلما وضع يده في معالجة الصعود ذابت ، فإذا رفعها عادت وكذا رجله ، وقال الكلبي : إنه صخرة ملساء في{[69775]} النار يكلف أن يصعدها{[69776]} بجذب من أمامه بسلاسل الحديد ، ويضرب من خلفه بمقامع{[69777]} الحديد فيصعدها في أربعين عاماً-{[69778]} ، فإذا بلغ ذروتها أسقط إلى{[69779]} أسفلها ثم يكلف أن يصعدها ، فذلك دأبه أبداً .