المقت : أشد البغض وأعظمه ، ورجل مقيت وممقوت ، إذا كان يبغضه كل أحد .
3- { كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ } .
عظُم جرما عند الله أ تقولوا قولا ولا تعملون به ، مثل أن تأمروا الناس بالمعروف ولا تفعلونه ، أو تنهوا الناس عن المنكر وتفعلونه .
قال تعالى : { أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم . . . }( البقرة : 44 ) .
ويمكن أن تنطبق الآية على خلف الوعد ، فإن خلف الوعد مذمة ومفسدة ، وفيه إخلال بالثقة بين الأفراد والجماعات ، وما أسوأ أخلف الوعد ، وأقبح بصاحبه ، لذا كان مبغوضا عند الله أشد البغض ، ومعاقبا عليه ، كما هو مبغوض مستنكر عند الناس جميعا .
وفي مقابل ذلك مدح الله صدق الوعد ، فقال تعالى : { واذكر في الكتاب إسماعيل إنه كان صادق الوعد وكان رسولا نبيا } . ( مريم : 45 ) .
كبر مقتاً : ما أعظمه من بغض . المقت أشد البغض ، ويقال رجل مقيت وممقوت إذا كان مبغضا للناس .
ثم بيّن الله شدة قبحِ مخالفة القول للعمل وأنه بلغ الغاية في بُغض الله له فقال : { كَبُرَ مَقْتاً عِندَ الله أَن تَقُولُواْ مَا لاَ تَفْعَلُونَ } .
إن أبغضَ شيء عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون ، فتحَلُّوا بالصدق ، والوفاء بالوعد ، وجميل الخصال تنتصروا .
فهل تليق بالمؤمنين هذه الحالة الذميمة ؟ أم من أكبر المقت عند الله أن يقول العبد ما لا يفعل ؟ ولهذا ينبغي للآمر بالخير أن يكون أول الناس إليه مبادرة ، وللناهي عن الشر أن يكون أبعد الناس منه ، قال تعالى : { أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلَا تَعْقِلُونَ } وقال شعيب عليه الصلاة والسلام لقومه : { وما أريد أن أخالفكم إلى ما أنهاكم عنه } .
الخامسة- { كبر مقتا عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون } قد يحتج به في وجوب الوفاء في اللجاج والغضب على أحد قولي الشافعي . و " أن " وقع بالابتداء وما قبلها الخبر ، وكأنه قال : قولكم ما لا تفعلون مذموم ، ويجوز أن يكون خبر ابتداء محذوف . الكسائي : " أن " في موضع رفع ؛ لأن { كبر } فعل بمنزلة بئس رجلا أخوك ، و " مقتا " نصب بالتمييز ، المعنى كبر قولهم ما لا يفعلون مقتا ، وقيل : هو حال ، والمقت والمقاتة مصدران ، يقال : رجل مقيت وممقوت إذا لم يحبه الناس .
ولما كان ذلك مهلكاً ، رحم المخاطبين بتعظيمه لينجوا أنفسهم{[64824]} بالكف عنه فقال : { كبر } فقصد به التعجيب{[64825]} وهو تعظيم الأمر في قلوب السامعين لأن التعجب{[64826]} لا يكون إلا في أمر خارج عن نظائره وأشكاله ، وفسر ما قصد منه للدلالة على خلوصه في المقت بقوله :{ مقتاً } أي عظم جداً وما أعظمه من بغض هو أشد البغض ، وزاد في تبشيعه{[64827]} زيادة في التنفير منه بقوله :{ عند الله } أي الملك الأعظم الذي يحقر عنده كل متعاظم . ولما أبلغ في تبشيعه تشوفت النفس إلى المسند إليه ذلك قال : { أن تقولوا } أي عظم{[64828]} من تلك الجهة أن{[64829]} يقع في وقت من الأوقات أو حال من الأحوال قولكم :{ ما لا تفعلون * } وقال القشيري : ويقال{[64830]} : لم يتوعد الله على زلة بمثل ما توعد على هذا - انتهى . وكل ما ذكروه في سببها صالح للسببية قول{[64831]} بعضهم لو ندري أحب الأعمال إلى الله لاجتهدنا فيه ثم ولّوا يوم أحد ، وتوانى بعضهم في الجهاد ، وكون " صهيب رضي الله عنه قتل يوم بدر رجلاً آذى المسلمين وأنكى فيهم وادعى غيره أنه قتله فأعجب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال عمر وعبد الرحمن بن عوف لصهيب رضي الله عنهم{[64832]} : أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم أنك قتلته ، فقال صهيب رضي الله عنه : " إنما قتلته لله ولرسوله ، فأخبر عمر وعبد الرحمن رضي الله عنهما النبي صلى الله عليه وسلم فقال : أكذلك أبا يحيى ، فقال : نعم يا رسول الله " والتزام{[64833]} المنافقين أحكام الإسلام ، وتخلفهم{[64834]} إخلافاً في الأمور العظام ، وكذا قصة حاطب رضي الله عنه .
قوله : { كبر مقتا عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون } مقتا ، منصوب على أنه تمييز ، وتقديره كبر المقت مقتا{[4523]} والمقت معناه البغض . أي عظم بغضا عند الله { أن تقولوا ما لا تفعلون } وهو المخصوص بالذم . وذلك تأكيد للإنكار على القول أو الوعد الذي لا يعقبه عمل أو وفاء . وقد ثبت في الصحيحين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " آية المنافق ثلاث : إذا وعد أخلف ، وإذا حدث كذب ، وإذا أوتمن خان " ، وقد روى الإمام أحمد وأبو داود عن عبد الله بن عامر بن ربيعة قال : أتانا رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا صبي فذهبت لأخرج لألعب ، فقالت أمي : يا عبد الله ، تعال أعطك . فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم : " وما أردت أن تعطيه ؟ " قالت : تمرا . فقال : " أما إنك لو لم تفعلي كتبت عليك كذبة " وقد ذهب الإمام مالك إلى أنه إذا تعلق بالوعد عزم على الموعود وجب الوفاء به . كما لو قال لغيره : تزوج ولك علي كل يوم كذا فتزوج وجب عليه أن يعطيه ما دام كذلك ، لأنه تعلق به حق آدمي . فالوعد يجب الوفاء به إلا لعذر .