اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{كَبُرَ مَقۡتًا عِندَ ٱللَّهِ أَن تَقُولُواْ مَا لَا تَفۡعَلُونَ} (3)

قوله : { كَبُرَ مَقْتَاً } . فيه أوجه{[56392]} :

أحدها : أن يكون من باب : «نعم وبئس » ، فيكون في «كَبُر » ضمير مبهم مفسر بالنكرة بعده ، و«أن تقُولُوا » هو المخصوص بالذم ، فيجيء فيه الخلاف المشهور : هل رفعه بالابتداء وخبره الجملة مقدمه عليه ؟ أو خبره محذوف ، أو هو خبر مبتدأ محذوف ، كما تقدم تحريره ؟ .

وهذه قاعدة مطردة : كل فعل يجوز التعجّب منه ، يجوز أن يبنى على «فَعُل » - بضم العين - ويجري مجرى «نعم وبئس » في جميع الأحكام .

والثاني : أنه من أمثلة التعجّب .

وقد عده ابن عصفور في «التعجب » المبوَّب له في النحو ، فقال : «صيغة : ما أفْعَلَهُ ، وأفْعِلْ به ، ولَفَعُل ، نحو : لرمُو الرجل » .

وإليه نحا الزمخشري{[56393]} فقال : هذا من أفصح كلام وأبلغه في معناه ، قصد في «كَبُر » : التعجب من غير لفظه ؛ كقوله : [ الطويل ]

4762 - . . . *** غَلَتْ نَابٌ كُلَيْبٌ بَواؤهَا{[56394]}

ثم قال : وأسند إلى : «أن تقولوا » ، ونصب : «مقتاً » ، على تفسيره ، دلالة على أن قوله : { مَا لاَ تَفْعَلُون } : مقت خالص لا شوب فيه .

الثالث : أنَّ «كَبُرَ » ليس للتعجب ولا للذم ، بل هو مسند إلى «أن تقولوا » و«مقتاً » : تمييز محول من الفاعلية والأصل : كبر مقتاً أن تقولوا أي : مقت قولكم .

ويجوز أن يكون الفاعل مضمراً عائداً على المصدر المفهوم من قوله : «لِمَ تَقُولُونَ » أي : «كبر أي القول مقتاً » ، و«أن تقولوا » على هذا إما بدل من ذلك الضمير ، أو خبر مبتدأ محذوف ، أي : هو أن تقولوا{[56395]} .

قال القرطبي : و«مقتاً » نصب بالتمييز ، المعنى : كبر قولهم ما لا تفعلون مقتاً .

وقيل : هو حال ، والمقت والمقاتة : مصدران ، يقال : رجل مقيت وممقوت إذا لم يحبّه الناس{[56396]} .

فصل :

قال القرطبيُّ : قد يحتجّ بهذه الآية في وجوب الوفاء في اللجاج والغضب على أحد قولي الشافعي{[56397]} .


[56392]:ينظر: الدر المصون 6/2309.
[56393]:ينظر: الكشاف 4/523.
[56394]:ينظر الكشاف 3/88، 97، وشرح شواهد ص 561، والبحر المحيط 8/258.
[56395]:ينظر: الدر المصون 6/310.
[56396]:الجامع لأحكام القرآن 18/53.
[56397]:السابق.