البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{كَبُرَ مَقۡتًا عِندَ ٱللَّهِ أَن تَقُولُواْ مَا لَا تَفۡعَلُونَ} (3)

والظاهر انتصاب { مقتاً } على التمييز ، وفاعل { كبر } : أن { تقولوا } ، وهو من التمييز المنقول من الفاعل ، والتقدير : كبر مقت قولكم ما لا تفعلون .

ويجوز أن يكون من باب نعم وبئس ، فيكون في كبر ضمير مبهم مفسر بالتمييز ، وأن تقولوا هو المخصوص بالذم ، أي بئس مقتاً قولكم كذا ، والخلاف الجاري في المرفوع في : بئس رجلاً زيد ، جار في { أن تقولوا } هنا ، ويجوز أن يكون في كبر ضمير يعود على المصدر المفهوم من قوله : { لم تقولون } ، أي كبر هو ، أي القول مقتاً ، ومثله كبرت كلمة ، أي ما أكبرها كلمة ، وأن تقولوا بدل من المضمر ، أو خبر ابتداء مضمر .

وقيل : هو من أبنية التعجب ، أي ما أكبره مقتاً .

وقال الزمخشري : قصد في كبر التعجب من غير لفظه كقوله :

غلت ناب كليب بواؤها . . .

ومعنى التعجب : تعظيم الأمر في قلوب السامعين ، لأن التعجب لا يكون إلا من شيء خارج عن نظرائه وأشكاله ، وأسند إلى { أن تقولوا } ونصب { مقتاً } على تفسيره ، دلالة على أن قولهم ما لا يفعلون مقت خالص لا شوب فيه لفرط تمكن المقت منه ، واختير لفظ المقت لأنه أشدّ البغض ، ولم يقتصر على أن جعل البغض كثيراً حتى جعل أشدّه وأفحشه ، وعند الله أبلغ من ذلك ، لأنه إذا ثبت كبر مقته عند الله فقد تم كبره وشدته . انتهى .

وقال ابن عطية : والمقت : البغض من أجل ذنب أو ريبة أو دناءة يصنعها الممقوت . انتهى .

وقال المبرد : رجل ممقوت ومقيت ، إذا كان يبغضه كل أحد . انتهى .