الجواهر الحسان في تفسير القرآن للثعالبي - الثعالبي  
{كَبُرَ مَقۡتًا عِندَ ٱللَّهِ أَن تَقُولُواْ مَا لَا تَفۡعَلُونَ} (3)

و{ مقتا } البغضُ ، مِن أجل ذنبٍ ، أو رِيبَةٍ ، أو دَنَاءَةٍ يَصْنَعُها الممقوتُ ، وقول المرءِ مَا لا يفعلُ مُوجِبٌ مَقْتَ اللَّهِ تعالى ، ولذلك فرَّ كثيرٌ من العلماءِ عَنِ الوَعْظِ والتذكيرِ وآثرُوا السكوتَ ، ( ت ) : وهَذا بحسَبِ فِقْهِ الحالِ ؛ إنْ وَجَدَ الإنْسانُ مَنْ يكفِيه هذه المَؤُنَةَ في وقتهِ ، فَقَدْ يَسَعُه السكوتُ وإلا فَلاَ يسعُه ، قال الباجي في «سنن الصالحين » له : قال الأصمعي : بَلَغَنِي أَنَّ بَعْضَ الحكماءِ كَانَ يقول : إني لأَعظكُم وإنّي لَكَثيرُ الذنوبِ ، وَلَوْ أن أحَداً لاَ يَعِظُ أخاه حَتَّى يُحْكِمَ أَمْرَ نَفْسِهِ لتُرِكَ الأَمْرُ بالخيرِ ، واقْتُصِرَ عَلى الشَّرِّ ، ولكنَّ محادثةَ الإخوانِ حياةُ القلوبِ وجَلاَء النُّفُوسِ وتَذْكِيرٌ مِنَ النسيانِ ، وقال أبو حازم : إني لأعظ الناسَ وما أنا بموضعٍ للوَعْظِ ، ولكنْ أريدُ به نَفْسِي ، وقَالَ الحسنُ لمطرف : عِظْ أصْحَابَكَ ، فَقَالَ : إنِّي أخافُ أنْ أقولَ ما لا أفعل فقالَ : رحمك اللَّه ؛ وأيُّنَا يَفْعَلُ ما يقول ، وَدَّ الشيطانُ أنه لَو ظَفَرَ منكم بهذهِ فَلَمْ يأمُرْ أحدٌ منكم بمعروفٍ ، وَلَمْ يَنْهَ عن منكر ، انتهى .